كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

هبة الهداية والإرشاد؛ بدليل تعبيره بالأهل دون الذرية والولدان؛ كما في قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [مريم: 53]؛ إذ كل ما يهتم له الأنبياء إنما هو أن يهدي الله بهم، لا أن يولد لهم".
قد عرفت - فيما كتبناه آنفاً -: أن طائفة من المفسرين يقولون: المراد من هبة الأهل في هذه الآية، ومن إيتائهم في سورة الأنبياء: جمعُهم عليه بعد تفرق، لا إيجادهم بعد عدم، ولا إحياؤهم بعد موت، وصاحبُ المقال يفسر هبة الأهل: بهدايتهم له، فلننظر أيّ التفسيرين أقرب مأخذاً من الآية.
الهبة: إعطاء الشيء بلا عوض، وهذا المعنى يتحقق في جانب الله تعالى بجمعه أهلَ الرجل عليه بعد تفرقهم، كما يتحقق في إيجاد أهلٍ لمن لم يكن له أهلٌ، فحملُ الهبة على الجمع بعد التفرق حملٌ للفظ على معنى قريب من الذهن، أما الهداية، فمعنى زائد على ما يفهم من لفظ الهبة، وإنما يصرف اللفظ عن المعنى المتبادر متى وجد المقتضى لهذا الصرف، ولا مقتضى لصرف الهبة عن الجمع بعد التفرق إلى معنى الهداية فيما نعلم.
أما قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} , فإن الهبة هنا على معنى: جعله مؤازراً له في الدعوة، وفُهم هذا المعنى من دليل آخر، وهو قول موسى - عليه السلام -: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه: 29 - 31]، ومن قوله تعالى في الآية نفسها: {نَبِيًّا}؛ فإن هبة النَّبيِّ إلى أخيه النبي ظاهرة في معنى التآزر على الدعوة إلى الحق.
يقول كاتب المقال: "إذ كل ما يهتم له الأنبياء إنما هو أن يهدي الله بهم، لا أن يولد لهم".
إذا كان القصد من قصة أيوب - عليه السلام - الاعتبارُ بصبره على ما أصابه

الصفحة 200