كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

المهمة - كما علمت - تتطلب صحة وعافية وقوة وسلامة؟!.
فرددنا هذا في مقالنا الأول، وقلنا: "إن الله يبتلي بعض رسله بمرض غير منفر، ثم يعافيه من ذلك المرض الشديد؛ ليظهر فضل صبره للناس، ويتبينوا أن الأمراض الشديدة قد تعرض للرسل - عليهم السلام -, ولا يخدش ذلك في نبوتهم، بل يزدادون من الله قرباً".
وقلنا: "وقد جعل الله لكل رسول مقداراً من الوقت يصرفه في الدعوة، وليس بواجب على الله لا عقلاً ولا شرعاً أن يكون رسوله في صحة وتمكن من الدعوة من يوم بعثه إلى يوم وفاته، فإذا بعث الله أيوب، فدعا قومه، وبلغ الجهد في دعوتهم، ثم أصابه بمرض، ثم عافاه فعاد إلى الدعوة، لم يكن هذا منافياً لاصطفائه للرسالة، ولا هو بالأمر الذي يتنافى مع الحكمة".
حكى صاحب المقال ذلك الوجه، وما دفعناه به، وحاول رد ما دفعناه به، فقال: "ليس مثل هذا من المواطن التي يتبين بها فضل الصبر الذي يبلغ من العِظَم أن ينوه به الله، وهو ذو الجلال في كتابه، وهو القرآن المجيد عن أيوب، وهو رسول كريم، فإن مثل ذلك إن لم يكن من الشؤون الهينة في جانب رسول كريم، فهو من الهين في جانب الكتاب العزيز، وإن لم يكن هيناً بالقياس إلى الكتاب، فهو جِدُّ هين بالقياس إلى ذي العظمة والجلال".
قصة المرض الشديد، وملاقاته بالصبر الجميل ليست من الشؤون الهينة في جانب رسول كريم، ولا في جانب الكتاب العزيز، بل هي من الشؤون التي يعظ الله فيها المصطَفَين من عباده، ويذكرهم بها في كتابه، فمن الجلي أن الصبر فضيلة، وأنه يتفاوت في الفضل، بحسب شدة المصيبة، وطول مدة نزولها، وبحسب الغاية التي يحتمل من أجلها المكروه، فلِمن صبر على فقد

الصفحة 224