كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

لعلم أن القصص الذي جاء به القرآن عن يوسف قصص مفصل طويل قد استغرق من طفولته إلى كهولته، وقد انتظم حوادث خطيرة، وشؤوناً مختلفة، وأموراً ذات خطر، ما بين دليل على فضل، أو أمارة على مجد، مما يصح أن يمتاز به الأنبياء عن غيرهم من النّاس، وأين هذا من مرض أيوب الذي هو - على ما يزعمون - قد شكاه لربه تصريحاً أو تلويحاً، وهو عرض عادي يحتمله كثير من عاديي الناس؟ ".
يتذكر القراء أن صاحب المقال قال في الوجه الأول: "إن المقصود من أن يقص الله تعالى حال الرسل على خاتم أنبيائه - صلى الله عليه وسلم - إنما هو الاعتبار بما أصابهم في سبيل الله، وما احتملوه من أذى وبلاء في طريق الدعوة إلى الله {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120] "، فرددنا عليه: بأن الله تعالى قد قص من حال الرسل ما لا يرجع إلى ما أصابهم في سبيل الله، وما احتملوه من أذى وبلاء في طريق الدعوة، بل قد يذكرهم؛ ليدل على ما كان لهم من خلق عظيم، أو عمل خطير، أو حكمة بالغة ... إلخ.
ثم ذكر صاحب المقال في الوجه الرابع: "أن الله لم يقص علينا من الرسل إلا ما يتصل بأمر الرسالة، ويتصل بسير الدعوة"، فقلنا له: قد قص علينا القرآن أن يوسف ألقي في الجب، وبيع بثمن بخس، واستعصم حيث تهيج عاصفة الشهوة، وأن إبراهيم - عليه السلام - أمر في المنام بذبح ابنه؛ فلما تله للجبين، فداه الله بذبح عظيم، وأن يعقوب - عليه السلام - ابتلي بفقد يوسف، وحزن عليه حزناً طويلاً. فأخذ صاحب المقال يدفع ما أوردناه من قصة يوسف - عليه السلام - بهذا الحديث الذي سقناه لكم.
وما حديثه هذا إلا رجوعٌ ثانٍ عن رأيه، فإنه كان يرى أن المقصود من

الصفحة 233