كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

في تفسير الآية بالمعنى الذي يقوله المفسرون تعليمٌ للمراوغة، وإنما هو شرعُ حكمٍ أخفَّ من الضرب مئة سوط مفرقة، وليس في هذا التشريع قضاء على الأعمال أن تكون صوراً خالية من أرواحها؛ فإن في الضرب بالضغث إيلاماً، إذ المراد: الضرب به على الطريقة المعروفة في إقامة الحدود.
قال صاحب المقال في رده: "وإنا نسائل الكاتب، ونشتد في سؤاله: هل ما حلف عليه أيوب كان مما يتعذر أو يتعسر تنفيذه، أو لم يكن كذلك؟ فإن كان الأوّل، كان معنى هذا أن أيوب قد غلبه غضبه، فكان منه ما لا يكون إلا من شرار الناس دون خيارهم، وكيف ينزل أيوب وهو نبي إلى هذا الدرك، فيحلف على أمر يتعذر أو يتعسر عليه تنفيذه، ويحتاج في الخلوص منه إلى شرع حيلة، وإن كان الثاني، كان هينَ! التنفيذ يسيراً".
إن أيوب - عليه السلام - حلف على أمر يستطيع تنفيذه، ولكن في تنفيذه شيء من الشدة على المحلوف على ضربه، فاقتضت رحمة الله بالمحلوف على ضربه أن يخفف عنه العقاب، ومن الجائز أن يكون هذا المحلوف على ضربه بحال من ضعف البدن استحق بها هذا التخفيف على نحو ما ورد في تخفيف الحد على الضعيف الذي لا يرجى صحته.
ثم إن أيوب - عليه السلام - إنما ابتغى بحلفه على ما حلف رضا الله، ولا يمنع هذا من أن يرتاح لتخفيف حكم العقاب على بعض المؤمنين به، ويعده رحمة به، كما كان رحمة للمحلوف على ضربه، والأنبياء - عليهم السلام - يستقيمون على أمر الله، وينفذون أحكامه دون أن تأخذهم في دين الله رأفة، ويرتاحون لتخفيف الأحكام على أممهم، بل يطلبون لهم من الله تعالى التخفيف، ومن شواهد هذا: حديثُ الصلوات ليلة الإسراء، وطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - تخفيفها

الصفحة 240