كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

في الأمة يقضي بتغيير صورة المشروع".
ذهب قوم من أهل العلم إلى أن الضرب بالضغث مكانَ الضرب بالسوط مفرقة، كان شريعة لأيوب - عليه السلام - ولقومه عامة، وليس لأحد أن ينازع هؤلاء بدعوى أن هذا نسخ، والنسخ لا يكون إلا بعد تطور الأمة؛ إذ حالة تلك الأمة غير معروفة لنا.
ثم إننا نعلم أن أحكاماً قد تغيرت في عهد نزول الوحي، ونعلم أنها لم تتغير إلا لحكمة، فمدار النسخ على تحقيق الحكمة، وإذا ثبت النسخ بنص أو إجماع، أو بمعرفة أن هذا الحكم متأخر عن هذا الحكم، ولم يمكن الجمع بين دليليهما، فقد تقرر النسخ عند أهل العلم، وليس لأحد أن يطالبهم بعد هذا بإثبات أن الأمة تطورت تطوراً يقتضي هذا التشريع.
فإذا وردت آية من القرآن الكريم، ورآها بعض النظار من قبيل الناسخ لحكم سابق؛ فللرد عليه طرق معقولة؛ كأن ينازع في إفادة النص تغيير الحكم على وجه القطع، أو في تأخره عن الحكم المدعى نسخه، أو في عدم صحة الجمع بين دليلي الحكمين.
وذهب قوم آخرون إلى أن حكم الضرب بالضغث رخصة لأيوب -عليه السلام - خاصة، ورجحوا مذهبهم بأن قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44]، يشير إلى وجه الترخيص، فيكون الترخيص مقصوراً على من وجد منه الصبر، وهو أيوب - عليه السلام -.
قال صاحب المقال في رده: "وأن الإسقاط استثناء إنما يكون لطوارئ تجعل الواجب شاقاً، وتكون تلك الطوارئ ليس للمكلف دخل في صورتها؛ لأنه إنما يستحق رحمة الله، فيخفف عنه الواجب؛ لأنه لا دخل له فيما صعب

الصفحة 244