كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

ولا لعب، وإنما هو حكم من الأحكام التي ينزلها على رسوله حاملة شيئاً من التخفيف عنه وحده، أو عنه وعن أمته عامة، وليس بمستنكر أن يختص الله نبيًا من أنبيائه ببعض الأحكام، وليس بمستنكر أن يخفف الله عن الأمة بعض الواجبات الشاقة، وإن لم يظهر لنا أن مشقة الواجب ازدادت على ما كانت عليه شدة.
كان صاحب المقال ادعى: أن المعنى الذي يذكره المفسرون ينزل بالآية عن مستوى البلاغة الذي هو في متناول البشر، فضلًا عن الإعجاز الذي يجب أن يكون للقرآن الكريم، وعلل هذا بأنهم ذكروا قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} [ص: 44]، معنى يتوقف على ما لا يفيده سابقه، ولاحقه؛ لأنهم جعلوا: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} متوقفا على خبر أن أيوب كان قد حلف ليضربن امرأته مئة سوط.
وقلنا في رد هذا: إن القرآن كتاب إرشاد، ومأخذ عبر، فقد يسوق من القصة أشياء هي موضع العبرة، وشملك في سوقها طريق الإيجاز، وقوله في هذه القصة: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44]، يتبادر منه إلى الأذهان أن أيوب - عليه السلام - حلف أن يضرب شخصاً أسواطاً، فأوحى الله إليه أن يضرب بهذه الأسواط مجموعة، ولا يتوقف موضع العبرة في هذا على معرفة سبب الحلف، أو الشخص المحلوف عليه، أو عدد الأسواط.
كان من صاحب المقال أن قال في رده: "ولكن الله قد قص علينا من شؤون الأنبياء قصصاً مفصلاً مطولاً، وإن شئت أوضح شاهد على ذلك، فدونك سورة يوسف التي استغرقت شؤونه من طفولته إلى كهولته".
من الرسل - عليهم السلام - من لم يقص الله من أنبائهم شيئاً، ومنهم

الصفحة 246