كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

من قص من أنبائهم، وما يقصه من أنباء هؤلاء يتفاوت قلة وكثرة، فقد يأتي من سيرة رسول على شؤون قليلة، ويأتي من سيرة آخر على شؤون أكثر من ذلك، وفي كُلٍّ حكمة ومأخذُ عبرة.
وقصة يوسف - عليه السلام - ذُكرت فيها شؤون من طفولته، وشؤون كهولته؛ لما في هذه الشؤون من عبر ذات أثر في الوعظ والإرشاد، ولا يستطيع أحد أن يقول: إن قصة يوسف قد استغرقت شؤون طفولته، وشؤون كهولته، وإن ذكر فيها من شؤونه أكثر مما ذكر في القرآن من شؤون غيره.
فالتفصيل في قصة يوسف - عليه السلام - إنما هو بالنسبة لما ذكر من شؤون غيره، ولو نظر صاحب المقال إلى أسلوب سوق القصة، وقاسه بأسلوب مؤرخ يعلم حالَ يوسف من نشأته إلى يوم وفاته، لظهر له كيف سلك القرآن - حتى في قصة يوسف - طريقةَ الإيجاز.
وأزيد على هذا: أني لم أقل: إن القرآن يسلك في القصص مسلك الإيجاز دائمًا، وإنما قلت: "فقد يسوق من القصة أشياء هي موضع عبرة، ويسلك في سوقها مسلك الإيجاز"، ومن القريب إلى اللهم حمل "قد" في قولي: "فقد يسوق من القصص" على التكثير، أو التقليل، فتكون عبارتي في معنى: أن القرآن يسوق في بعض الأوقات، أو أكثر الأوقات من القصص أشياء هي موضع العبرة، ويسلك في سوقها طريق الإيجاز، ومقتضى أدب البحث وقوانين المنطق الفطري أو اليوناني أن يقال في الرد علي: إن القرآن لم يسلك فيما يقص عليك مسلك الإيجاز قط، لا أن القرآن قد سلك في بعض القصص مسلك التفصيل أو التطويل.
ثم قال: "وليقل لنا هذا الكاتب بعد هذا: ما معنى إذن أن القرآن ليس

الصفحة 247