كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

فلا حرج على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحلف متوعداً على تأديب من يستحق الأدب، بل يعد حلفه أثراً من أثر الغضب لله، وله في تنفيذه المثوبة. ولا حرج عليه في ارتياحه لأن يخفف الله عنه أو عن أتباعه حكماً فيه شيء من المشقة، فإذا دلت الآية على أشياء، فإنها تدل على فضيلة الغضب لله، وعلى جواز الوعيد بالعقوبة البدنية على فعل أو قول لم يراع فيه حق الله، وعلى إباحة الحلف على هذا الوعيد، وعلى أن للحلف بالله حرمةً توجب على الحالف فعلَ ما حلف عليه، فلا يتركه، ولا يفعله على غير وجهه المعروف إلا أن يأذن به الله، وتدل بعد هذا على الخلق العظيم، أو العمل الصالح يجعل الشخص بمقربة من رحمة الله، ويكون سبباً لتخفيف بعض الأحكام، كما أن المعاصي قد تكون سبباً لشدة بعض الأحكام: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} [النساء: 160] الآية.
قال صاحب المقال في رده: "أما تبادر هذا المعنى الذي يذكره المفسرون، فإنما كان من وقوفهم أمام تلك الإسرائيليات مكتوفي الأذهان، مغلولي الأيدي، حتى أصبح هذا المعنى متوارثاً يأخذه اللاحق عن السابق، ولولا تلك الإسرائيليات، ما استطعت أن تفهم هذا من الآية".
الضغث: الحزمة من الأعواد، والحنث: الخلف في اليمين، فقوله: {وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44]، يدلّ على أن أيوب - عليه السلام - صدر منه يمين، وقوله: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ} [ص: 44]، يدل على أن الحلف كان على الضرب أسواطًا بقصد أن تكون مفرقة، وأن الله تعالى أراد تخفيف هذا العقاب، فجعل الضرب بالأعواد المجموعة مجزئاً.
ثم إن هذا المعنى هو الذي يرويه المفسرون والمحدثون عن بعض

الصفحة 249