كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

للنعم، فقال تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44]، والصبر والرجوع إلى الله تعالى في كل حال من أجل الوسائل التي تدني الإنسان من عناية الله ورحمته، فينقله من مقام الصبر على الضراء إلى مقام الشكر على السرّاء.
قال صاحب المقال: "أما إذا جرينا على ما فسرتُ أنا به الآيات، فإنك تجد الآيات كلها ترجع إلى أصل واحد، ويربطها نسب واحد، وكلها تصور موضوعًا واحدًا"، ثم أعاد ذكر ما فسر به الآيات، حتى تفسيره لقوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44]؛ من حملها على معنى "لَوِّحْ إليهم بالأزهار والرياحين"، وجعلها كناية عن اللين في الدعوة؛ ثم قال: "وبذلك نجد موقعًا جدَّ مناسب لقوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا}؛ فإنَّه ليس أمضَّ على النفوس، ولا أغمض فيها من أن تدعو قوماً على حق مؤيد بالبرهان، ثم هم يعرضون ويستهزئون، ثم ترى نفسك بعد ذلك وأنت محتوم عليك ملاينتهم ومحاسنتهم".
قد أريناك وجه ارتباط قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} بالآيات قبله على الوجه الذي يقرره المفسرون، وهو جارّ على أن هذه الآية واقعة مما قبلها موقع السبب من المسبب، فيرجع نظم الآيات إلى معنى: أنعمنا عليه بالمعافاة، وجمع الشمل، وتخفيف حكم تلك اليمين؛ بما كان يتحلّى به من فضيلتي: الصبر، والإنابة إلى الله في كل شأن.
أما صاحب المقال، فإنَّه زعم في مقاله أن أيوب - عليه السلام - كان في وهن عزيمة، وضعف ثقة، وعدم قوة في السير إلى الغاية، فأمر أن يكون ذا عزم، وقيل له: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42]؛ أي: اعقد عزمك، ثم فسر قوله

الصفحة 251