كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

الثقة، وعدم القوة في السير إلى الغاية، كان جواب تلك الشكاية أن قيل له: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42] ".
ومن يتحدث عن كلام وقع خطاباً لعلَّام الغيوب، ويقول فيه: إنه يشعر بوهن في العزيمة، وضعف في الثقة، فقال له علَّام الغيوب: اعقد عزمك، فلا بد من أن يريد: أن هذا كان إشعاراً للمخاطب، وهو الله، فيكون قد أثبت لصاحبه الوهن في العزيمة، والضعف في الثقة، فإذا قلنا: إن صاحب المقال قد نسب إلى أيوب - عليه السلام - وهنَ العزيمة، وما عُطف عليه، فلأنه جعل مناجاته لله مشعرةً بذلك، وجعل قول الله: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} مترتباً على ذلك الإشعار.
ثم قال صاحب المقال في رده: "على أنه قد جاء في القرآن ما يدلّ صراحة على أن الأنبياء كثيراً ما يستبطئون نصر الله"، وأورد آية: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214]، وقال: "إذ لا مانع من أن أيوب حين اشتد عليه أمر قومه، وإعراضهم عنه، يستبطئ سير الدعوة، ويستبطئ نصر الله، وما في ذلك من مساس بقدس الأنبياء, فإن حرصهم قد يدفعهم إلى الاستباق من الله بالنجاح".
قد يستبطئ الرسول نصر الله، ويقول: متى نصر الله؟ ولا يدخل ذلك على أنه واهن العزيمة، وضعيف الثقة، عادم القوة في السير إلى الغاية، فإذا فرض صاحب المقال أن أيوب - عليه السلام - استبطأ سير الدعوة، أو استبطأ نصر الله، فليس له أن يفرض شيئاً آخر بعده، وهو وهن العزيمة وما عُطف عليه، وهذا هو موضع بحثنا معه إذ قلنا: "فنسبة رسول من رسل الله إلى وهن العزيمة، وضعف الثقة، وعدم القوة في السير إلى الغاية، ليست بالأمر الهين،

الصفحة 257