كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

ولم يبق بين يدي الكاتب من شبهة إلا أن يقول: إنا وجدنا آباءنا كذلك يقولون".
في القرآن استعارات بديعية، وكنايات لطيفة؛ كقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24]، وقوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256]، وقولى تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص: 35]، وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} [الصف: 8]، وقوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4]، وقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]، وقوله تعالى: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4].
فإذا قلت: إن ما ذكره صاحب المقال في تفسير: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]، فيه تكلف، فسزُ ذلك أني وجدته غيرَ ملائم لما عرف به القرآن من حسن البيان، وبعيداً من طريقة القرآن في إيراد الإستعارات والكنايات؛ إذ يأتي بها على وجه تتسابق به المعاني إلى الأذهان تسابقَها عندما يعبر بألفاظها الحقيقية.
وكان صاحب المقال قد ذكر من وجوه رده على المفسرين: أن تفسيرهم "يقضي بأن مرجع اسم الإشارة إلى الماء، وهذا يقتضي ألا يكون لاسم الإشارة مرجع، وليس في النظم ما يدل عليه، وذلك شيء تأباه اللغة".
فقلنا في دفع هذا: إن اسم الإشارة يستعمل مشاراً به إلى أمر معقول، أو غائب، وهذا الاستعمال هو الذي يحتاج فيه إلى مرجع، ويستعمل مشاراً به إلى محسوس مشاهَد للمتكلم والمخاطب، وهذا الاستعمال لا يحتاج فيه

الصفحة 261