كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

حمل آيات من القرآن الكريم متتابعات على كنايات واستعارات لا تدخل الآذان إلا كرهاً، وقال في الرد على هذا: "هكذا يقول هذا الكاتب، وإنها لدعاوى يلفظها الكاتب دون أن يكون عليها دليل، أو شبه دليل".
المفسرون يحملون آية: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]، علي معانيها الحقيقية، ويحملون آية: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44]، كذلك على معانيها المعروفة في اللغة، أما صاحب المقال، فإنه عمد إلى هذه الآيات، وخرج بها على باب من الاستعارة والكناية غير معروف في أساليب ذلك الكتاب الذي نزل بلسان عربي مبين.
ويكفي في التنبيه على بطلان هذا التفسير: أن نحكي عبارات صاحبه مجردة من كل تعليق، فإنك لا تجد أحدًا يتلو القرآن الحكيم، أو يستمع إلى من يتلوه، حتى يعرف روعة بيانه، ويأنس بحسن استعاراته وكناياته، يتقبل هذا الذي يقوله صاحب المقال في هذه الآيات، ومن الذي يجد في ذوقه أو ذهنه استعداداً لقبول أن يكون معنى قوله تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}. قوِّ عزمك، واستتم ثقتك؛ فإن استكمال العزم واستتمام الثقة يغسل الأرواح من التردد في الغاية، ووهن العزيمة، وضعف الثقة، وينقع غلتها؟! أو لقبول أن يكون معنى قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ}: لا تغلظ لقومك في القول، بل لوّح لهم في وجوههم بالأزهار والرياحين؟!.
وإذا كان صاحب المقال يحسب أن كل استعارة وكناية أبلغُ من الحقيقة، فقد ظن ما لم يخطر للبلغاء على بال.
فالحق أن القرآن المجيد لا يأتي الاستعارة أو الكناية إلا أن تكون واضحة

الصفحة 270