كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

فشو الاستعمال.
وننظر إلى ما سلكه ابن القيم في تقدير أمثال القرآن، فتجده يقول: فيها -أي: أمثال القرآن- تشبيه شيء بشيء في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس، أو أحد المحسوسين من الآخر، واعتبار أحدهما بالآخر، وساق لبيان هذا نحو عشرين مثلاً من القرآن الكريم، وعندما نتأمل في هذه الأمثال، نجد كثرها وارداً على طريقة التشبيه الصريح؛ كقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: 17]، وقوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} [يونس: 24].
ومنه ما يجيء على طريقة التشبيه الذي يسميه بعض علماء البلاغة: التشبيه الضمني، أو التشبيه المكنّى عنه؛ كقوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12]، إذ ليس فيه تشبيه صريح، وإنما هو تشبيه ضمني؛ نحو:
فإن تَفُقِ الأنامَ وأنتَ مِنْهُمْ ... فإنَّ المِسْكَ بعضُ دَمِ الغَزالِ
ونجد من بينها ما لم يشتمل على تشبيه ولا استعارة؛ كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73].
فقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} قد سماه الله: مثلاً، وليس فيه استعارة، ولا تشبيه.
النظر الثاني في استعمال القرآن لكلمة "مَثَل":
يستعمل القرآن كلمة "مثل" في تشبيه حال قوم بحال آخرين؛ كقوله

الصفحة 36