كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

وليس من شك في أن هناك آيات كثيرة وأحاديث قد يعدُّها بعضهم من قبيل المتشابه، وينبغي إخراجها من دائرة الاختلاف؛ حيث إنه يمكن فهمها على وجه صحيح لا كلفة فيه، ونضرب المثل لهذا آياتٍ أو أحاديث تشتمل على ألفاظ عرف في كلام العرب استعمالها في معان على وجه الكناية أو المجاز، وصح حملها على هذه المعاني المعروفة في الاستعمال؛ كقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64]؛ فإن حمل الآية على معنى الجود واضح لا شبهة فيه.
ويخرج عن موضع الاختلاف آيات الأحكام؛ إذ ليس لأحد أن يقول في آية أو حديث يرجع إلى التشريع: إن هذا من قبيل ما استأثر الله بعلمه.
ونختار بعد هذا: أن في القرآن آيات متشابهات؛ أي: غير واضحة الدلالة، فإما أن تصل إليها أفهام الراسخين في العلم بعد النظر، وإما أن تصل إليها أفهام بعض منهم دون بعض، وفهمها إما أن يكون على وجه مفصل، وإما أن يكون على وجه مجمَل تحصل به فائدة للمخاطب، وإن لم يصل إلى كنه المراد منه؛ كالآيات والأحاديث الواردة في بعض أحوال يوم القيامة، أما أن يخاطب الله عباده بكلام يستأثر بعلمه، ولا يفهم منه أحد ماذا أريد منه، ولو بطريق الإجمال، فذلك ما نراه بعيداً، ولم تقم أدلة تلجئنا إلى اعتقاد وجوده.
لا يظهر للمتشابه على مذهب المفوضة فائدة سوى ابتلاء العبد بتلاوة كلمات تعلو عن فهمه، ولكنه يتيقن أنها حق، ويفوض أمرها إلى الله، مقراً بالعجز عن الوصول إلى معناها، وذلك دليل قوة الإيمان.
وأما على مذهب المؤولة، فله فوائد متعددة:

الصفحة 52