كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

للدلالة على أن المخبر عنه واضح بينٌ لا يحتاج إلى قسم.
وورد في القرآن قسم بعمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]، والقسم بالعمر قد ورد في الشعر الجاهلي؛ كما قاله طَرَفَة:
لَعَمْرُكَ إِنَّ الموتَ ما أَخْطَأَ الفَتى ... لَكَالطِّوَلِ المُرْخَى وثِنْياهُ باليَدِ
وورد في القرآن الحَلْف ببعض المخلوقات؛ تنبيهاً للناس على عظم شأن المقسَم به، أو لبيان فضله؛ كقوله تعالى: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطو: 1 - 6]، أو- للحث على العمل الصالح فيه؛ كقوله تعالى: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: 1 - 3].
ويحذف القسم بالقرآن حيناً، ويبقى جواب القسم، وهو المقسوم عليه؛ لقرينة تدل على القسم، وهي اللام؛ كقوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 186]، فاللام دليل على أن هناك قسماً محذوفاً، والحذف لقرينة تدل على المعنى معهود في العربية.
وقد يحذف جواب القسم، وهو المقسم عليه، ويبقى القسم؛ كما قال تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1]، فالمقام في وصف القرآن أنه حق، وتقدير الجواب: إنه حق، فالدليل على جواب القسم، وهو المقسم عليه، وصفُ القرآن بذي الذِّكر؛ فإن الذكر لا يكون إلا حقاً؛ كما حذف جواب لمَّا في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 89]، فتقدير جواب لمّا:

الصفحة 55