كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89].
والشافعي يرى أن اليمين اللغو: هي ما لا يقصد به الحالف يميناً؛ مثل: لا والله لتأكلن معي، وعنده أن الحلف على ما ظنه الحالفُ واقعاً، ولم يقع، من الغموس التي تجب فيها الكفارة، وتغفر بها.
أما الحنفية والمالكية، فيرون أنها لغو لا كفارة فيها، ولا يلزم بسببها شيء.
واليمين يراعى فيها العرف، ويقدم على الوضع اللغوي، فمن حلف ألاّ يأكل لحماً، فأكل سمكاً، فإنه لا يحنث عند الحنفية؛ لأنه لا يطلق على السمك في العادة اسمُ اللحم، وإن سمي به في اللغة.
ويحكى: أن ابن أبي ليلى أرسل جماعة يسألون أبا حنيفة عن حكم من حلف ألاّ يأكل لحماً، وأكل سمكاً، فقال أبو حنيفة: لا يحنث، فقالوا له: يقول الله تعالى: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12]، فقال لهم: ما تقولون فيمن حلف ألا يجلس على بساط، وجلس على الأرض؟ فقالوا: لا يحنث، فقال لهم: ما قولكم في قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا} [نوح: 19]!؟ فسكتوا.
واليمين تلزم إذا لم يستثن صاحبُها؛ بأن يقول: إن شاء الله. وسمي هذا الشرط استثناء، لأنه في معنى: إلا أن يشاء الله. وإنما ينفع الاستثناء إذا قصده الحالف قبل انتهاء جملة الحلف، ولو بحرف، لأنه إذا لم ينطق بذلك الحرف، لا يكون حالفاً؛ لأن يمينه لا تتم حتى ينطق بذلك الحرف.
ويحكى أن أحد فقهاء المالكية كان ببغداد يتلقى العلم، فلما انتهى من التلقي، وأراد أن يرجع إلى بلده، ذهب إلى المكاري، فوجد معه مكارياً

الصفحة 57