كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

رأيتُ كتابَ الله أكبرَ معجزٍ ... لأفضلِ من يهدى به الثقلانِ
ولكنني أبصرتُ في الكهف آيةً (¬1) ... بها الفكرُ عن طولِ الزمانِ عياني
وما هي إلا استطعما أهلَها فقد ... أرى اسْتَطْعَماهُمْ مثله ببيان
فما السرُّ للقرّاء في وضع ظاهرٍ ... مكان ضميرٍ؟ إنَّ ذاكَ لِشانِ
وذكر في الجواب: أن (أهلها) جمع مضاف يفيد العموم، فيدل على أنه استطعم جميع أهل القرية؛ بخلاف ما لو أتى به ضميراً، فإنه يحتمل أن يكون الاستطعام لمن أتاهم، وهم سكان أول القرية.
وقد جاء في القرآن ما نطق بمعناه العرب، فقالوا: (القتلُ أَنفى للقتل)، وقال القرآن: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179].
وقال العرب:
كلُّ ابنِ أنثى وإن طالت سلامتُه ... يوماً على آلَةٍ حَدباءَ محمولُ
ولقول القرآن: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]؛ فما نطق به القرآن أوجز وأبلغ.
وحكاية القرآن لأقوال الناس؛ كما في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} [الإسراء: 90 - 93] إنما هي حكاية لمعنى ما قالوه، لا لفظه، فلا يكون منهم معجزاً كإعجاز القرآن.
¬__________
(¬1) يقصد بها سورة الكهف - الآية 77.

الصفحة 69