كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

* المعاني الأصلية:
يمكن نقل المعاني الأصلية إلى لغة أجنبية؛ حيث لا تقصر اللغة الأجنبية عن تأديتها.
قال أبو إسحاق الشاطبي في "موافقاته": "إن ترجمة القرآن على الوجه الأول -يعني: النظر إلى معانيه الأصلية- ممكنٌ، ومن جهته صح تفسير القرآن وبيانُ معانيه لمن ليس له فهم على تحصيل معانيه، وكان ذلك جائزاً باتفاق أهل الإسلام، فصار هذا الاتفاق حجَّة في صحة الترجمة على المعنى الأصلي".
وإذا كان نقل المعاني الأصلية قد يقع صحيحاً، وكان في مستطاع من يجيد لغة أجنبية أن ينقل هذه المعاني من اللغة العربية إلى اللغة التي أجاد معرفتها، لم يبق سوى النظر في تفصيل حكم هذا النقل، وبيان حال المنع منه، أو الإذن فيه.
في القرآن آيات واضحة المعنى، لو نقل معناها الأصلي إلى لغة أجنبية، لتساوى كلام المفسر المحقق العربي، والناقلِ له إلى اللغة الأجنبية في أداء ذلك المعنى الأصلي؛ كآية: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]، وهي الآية التي صدَّر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطابه إلى قيصر وكسرى في الدعوة إلى الإسلام، وهما لا يعرفان العربية، وإنما يتلقيان معناها من طريق الترجمة كبقية ما اشتمل عليه خطاب الدعوة.
فنقلُ المعنى الأصلي لآية أوآيات من هذا القبيل جائز، وهذا ما يريده

الصفحة 75