كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

بها أن تكون في جسم نقي اللون، متناسب الأعضاء، وأن الجسم الناضر يزيده حسناً على حسنه أن يظهر في ملبس بهي المنظر، رقيق الحاشية، كذلك المعاني تخطر على فكر البليغ، فيقتضي حالها أن تلقى في لفظ جيد السبك، محكم النظم، آخذٍ بالغرض من جميع نواحيه.
ومن أجل ذلك وجَّه بلغاء العرب جانباً عظيماً من عنايتهم إلى تخيُّر الألفاظ، وإحكام نسجها بمقدار ما تؤدي صور المعاني، وتضعها في نفس السامع الموضع اللائق بها من الإعجاب أو القبول.
وليس من شرط جودة الكلام أن يكون لكل جزء من صورة معناه التركيبي لفظٌ مفرد يختص بالدلالة عليه، بل مدار حسن البيان على أن تصير صور المعاني في نفس المخاطب بحالها التي كانت عليها في نفس المتحدث بها، وسواء بعد هذا أكانت الألفاظ مفصَّلة على قدر المعاني في الكثرة والقلَّة، أم كانت المعاني فوق ما تدل عليه الألفاظ بحسب أوضاعها اللغوية.
ولاعتماد حسن البيان على نقل صور المعاني إلى نفوس المخاطبين كما هي، لم يبال العرب أن يكتفوا في الدلالة على بعض المعاني بمساق الكلام، وما تقتضيه طبيعة المعنى، إلى نحو هذا من القرائن التي لا يضبطها حساب، بل يعدون في أصول بلاغتهم أن يطرحوا كثيراً من الألفاظ متى وثقوا بأن في نظم الكلام أو الأحوال الخارجة عنه ما ينبِّه السامع إلى مدلولاتها.
ومن ثمَّ نشأ فنُّ الإيجاز بوجه عام، وكان للحذف في كلامهم مجالٌ ذهب فيه علماء النحو والبيان كل مذهب، وتقلبوا في كل شعبة من شعابه، ففي أساليب البلغاء الإيجاز، وفي كلامهم الاعتماد في تصوير المعاني على ثقافة السامع، وما يغني غَناء الألفاظ من أحوال، ولو كانت خارجة عن مقتضيات

الصفحة 81