كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

غيره؛ كقوله في المطلع:
زارت عليها للظلام رُواق
وقد ساق النحاة من الآيات ومنظوم العرب ومنثورهم شواهد على أن ضمير الغيبة يصحُّ عوده على ما لم يتقدمه في اللفظ، وإنما حضر في ذهن السامع بقرائن الأحوال، لفظية كانت أو معنوية.
ومن هذه الشواهد: قول الشاعر:
وما أَدري إذا يمَّمْتُ أَمراً ... أريدُ الخيرَ أيُّهُما يَليني
فالشاعر لم يذكر إلا الخير، وأتى بضمير المثنى راجعاً إليه، وإلى الشر الذي يصاحبه في الخطور على الذهن غالباً.
ومنها: قول الشاعر:
وكل أناسٍ قاربوا قَيْدَ فَحْلِهم ... ونحنُ خَلَعْنا قيدَه فهو ساربُ
فمرجع الضمير في قوله: "قيده" لم يتقدم في اللفظ، وإنما علم من سياق الجملة قبله، والمراد: قيد فحلنا.
ومنها: قول الشاعر:
فإنك والتابين عروة بعد ما ... دعاك وأيدينا إليه شوارعُ
فكالرجل الحادي وقد تلع الضحى ... وطَيْرُ المنايا فوقهنَّ أواقعُ
فالضمير في قوله: "فوقهن" يعود إلى الإبل المنبِّه عليها لفظُ: "الحادي"؛ فإن الحادي يستدعي إبلاً محدودة، فأغنى ذلك عن ذكرها.
ومنها: قول أبي كبير الهذلي:
ولقد سريتُ على الظلام بمغشمٍ ... جَلْدٍ من الفتيان غير مثقَّلِ

الصفحة 91