كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

يريد المحاضر أن يضع في أذهان المستمعين إليه أن الضمائر في هذه الآيات واردة على خلاف القاعدة النحوية، وهي إنما تخالف المقالة التي زوَّرها عليهم في مؤتمر المستشرقين، وقد استبان لكم أن تلك المقالة لا يعرفها النحاة، والضمائر في هذه الآيات جاءت مطابقة لاستعمال عربي صحيح، وهو ما قرره النحاة من أن مرجع الضمير قد يكون جزءاً من مدلول كلمة تقدمته، وساقوا على هذه القاعدة شواهد من كلام العرب، وأخرى من القرآن الكريم.
ومن هذه الشواهد: قولهم: "من كذب، كان شرًّا له"، ففي "كان" الضمير يعود إلى الكذب الذي هو جزء من مدلول كذب.
ومنها: قول الشاعر:
إذا زُجِرَ السفيهُ جرى إليه ... وخالف والسفيهُ إلى خلافِ
فالضمير في "جرى" عائد إلى السَّفَه المفهوم من لفظ: السفيه.
ومنها: قول القطامي:
همُ الملوك وأبناءُ الملوكِ لهم ... والآخِذونَ به والسّاقَةُ الأُوَلُ
فالضمير في قوله "به" عائد إلى الملك المستغنى عنه بذكر ما يحضره في ذهن السامع، وهو لفظ الملوك.
وعلى هذا النحو من الخطاب جاء قول الشاعر:
ومَنْ يكُ بادياً ويَكُنْ أخاه ... أنا الضحَّاكُ ينتسج الشمالا
فإن الضمير في قوله: "أخاه" عائد إلى البدو الذي هو ضد الحَضَر، وهو لم يذكر في النظم، إنما دل عليه قوله "بادياً".

الصفحة 93