كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

ومن الآيات التي أوردوها مستشهدين بها على صحة هذا الاستعمال: قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، وقوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 180]، فالضمير في قوله: {هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} راجع إلى البخل المستغنى عن ذكره بقوله تعالى: {يَبْخَلُونَ}.
فالنحاة يقررون صحة استعمال الضمير راجعاً إلى المصدر الذي يدل عليه فعل، أو وصف متقدم، ويسوقون الآيات والأبيات شواهدَ على ما يقرونه، لا أنهم قرروا وجوب عود الضمير على مذكور يتقدم لفظاً ورتبة، ولما اعترضتهم هذه الآيات وما يجري مجراها من الشعر، أخذوا يتأولون ويتصيدون.
النوع الخامس:
قال المحاضر: "الخامس: الضمائر المبهمة، وهذه الضمائر قسمان:
أحدهما: يعود إلى متقدم، ولكنه لا يطابقه؛ كقوله تعالى في سورة النساء: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء: 4]، فالهاء في {مِنْهُ} ظاهرة في الرجوع إلى الصدقات، ولكنها لا تطابق الصدقات في الجنس، ولا في العدد، ولهذا قال الزمخشري في "الكشاف": إن هذه الهاء بمعنى اسم الإشارة؛ كأنه قال: فإن طبن لكم عن شيء من ذلك نفساً.
القسم الثاني: ضمائر لا ترجع إلى متقدم، ولكن يفسرها متأخر لفظاً ورتبة؛ كقوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الأنعام: 29].
ذكرنا في التمهيد: أن بلغاء العرب لا يجمدون على رعاية الألفاظ، بل يوجهون عنايتهم الكبرى إلى نقش صور المعاني في أذهان المخاطبين،

الصفحة 94