كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

لا تسبق إليه ألسنتهم؛ لأنه لا يأخذ مأخذه في كل مقام، ولا يجري معه الذهن إلى الغرض أينما وقع، بل يحتاج إلى قوة من البلاغة يلاحظ فيه كيف يكون إرجاع الضمير إلى المعنى باعتبار اسم غير مذكور، وإرجاعه إليه باعتبار اللفظ المذكور على سواء.
وسنبحث الوجه الذي حكاه المحاضر عن الزمخشري في صحيفة آتية، ونعرض عليك في تأويل هذه الآية وجهاً آخر نراه قريباً، ولا تراه - إن شاء الله - بعيداً.
وأما آية: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [المؤمنون: 37] التي أوردها المحاضر مثلاً لما ورد في القرآن من الضمائر المفسرة بمتأخر عنها لفظاً ورتبة، فأسلوبها عربي شائع مألوف، وقد قدمنا لك أن النحاة عندنا يقررون قاعدة امتناع عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة يستثنون منها أبواباً، ومن هذه الأبواب ما صيغت فيه هذه الآية، وهو أن يؤتى بالضمير أولاً، ثم يخبر عنه بما يفسره، ويحتجون على هذا بأقوال العرب، وبهذه الآية نفسها، ومن شواهدهم عليه: "هي النفس تحمل ما حملت"، وقولهم: "هي العرب تقول ما شاءت".
النوع السادس:
قال المحاضر: "السادس: الضمائر التي تقع في آيات التشريع؛ كقوله تعالى في سُورَةِ البَقَرَةِ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229]، فالألف في: {يَخَافَا} راجعة إلى الزوجين اللذين لم يُذكرا، وأوضحُ مثال لهذا النوع آيةُ المواريث في سورة النساء، فالضمائر التي تعود فيها إلى غير

الصفحة 97