كتاب الإشراف في منازل الأشراف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

25 - وَأَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ الْحُبَابِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي غَزْوَةِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ, فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ, فَدَعَا إِلَى الْمُبَارَزَةِ, فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ, فَاقْتَتَلْنَا, فَسَقَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَنْ فَرَسِهِ, فَأَخَذْتُهُ أَسِيرًا, فَأَتَيْتُ بِهِ مَسْلَمَةَ فَسَاءَلَهُ, قال: وَكَانَ رَجُلاً جَسِيمًا جَمِيلاً, فَأَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ إِلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِحَرَّانَ, فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنِي الْوِفَادَةَ بِهِ إِلَيْهِ, قَالَ: إِنَّكَ لأَحَقُّ النَّاسِ بِذَلِكَ، فَبُعِثَ مَعِي, فَكَلَّمْنَاهُ وَسَاءَلْنَاهُ, فَجَعَلَ لاَ يُكَلِّمُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَوْضِعٍ, فَقَالَ: مَا يُقَالُ لِهَذَا الْمَوْضِعِ؟ قَالَ: فَإِذَا فَصِيحُ اللِّسَانِ، قُلْنَا: هَذَا الْجُرَيْشُ، وَتَلُّ مَحْرَى, فَقَالَ:
ثَوَى بَيْنَ الْجُرَيْشِ وَتلِّ مَحْرَى ... فَوَارِسُ مِنْ نُمَارَةٍ غَيْرِ مِيلِ
فَلاَ جَزِعِينَ إِنْ ضَرَّاءُ نابَتْ ... وَلاَ فَرِحِينَ بِالْخَيْرِ الْقَلِيلِ.
قال: ثم سكت, فكلمناه, وقلنا: من أنت؟ فلم يرد علينا شيئا, فلما انتهيا إلى الرها, قال: دعوني فلأصلي في بيعتها, قُلْنَا: دُونَكَ، قَالَ: فَصَلَّى وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يُكَلِّمُنَا, فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى حَرَّانَ قَالَ: أَيُّ مَدِينَةٍ هَذِهِ؟ قُلْنَا: هَذِهِ مَدِينَةُ حَرَّانَ، قَالَ: أَمَا إِنَّهَا أَوَّلُ مَدِينَةٍ بُنِيَتْ بَعْدَ بَابِلَ, ثُمَّ سَكَتَ, فَأَقْبَلْنَا عَلَيْهِ, فَقُلْنَا: كَلِّمْنَا مَا حَالُكَ؟ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنَا, فَلَمَّا دَخَلْنَا حَرَّانَ, قَالَ: دَعُونِي حَتَّى أَسْتَحِمَّ فِي حَمَّامِهَا, فَاطَّلأَ, ثُمَّ خَرَجَ كَأَنَّهُ بِرْطِيلُ فِضَّةٍ بَيَاضًا وَعِظَمًا، قَالَ: فَأَدْخَلْتُهُ إِلَى هِشَامٍ, وَأَخْبَرْتُهُ كَيْفَ كَانَ أَمْرُهُ؟ وَمَا جَعَلَ يَسْأَلُنَا عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ إِيَادٍ, أَحَدِ بَنِي حُذَافَةَ, فَقَالَ: وَيْحَكَ, أَرَاكَ رَجُلاً عَرَبِيًّا, لَكَ جَمَالٌ وَفَصَاحَةٌ, فَأَسْلِمْ نَحْقِنْ دَمَكَ, وَنُحْسِنْ عَطَاءَكَ، قَالَ: إِنَّ لِي بِالرُّومِ أَوْلاَدًا، قَالَ: وَنَفُكُّ وَلَدَكَ، قَالَ: وَمَا كُنْتُ لأَرْجِعَ عَنْ دِينِي، فَأَقْبَلَ بِهِ هِشَامٌ وَأَدْبَرَ فَأَبَى, فَقَالَ: دُونَكَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ.

الصفحة 112