كتاب الإشراف في منازل الأشراف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

65 - أَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعَ الْحَجَّاجُ تَكْبِيرًا فِي السُّوقِ وَهُوَ فِي صَلاَةِ الظُّهْرِ, فَلَمَّا انْصَرَفَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ, فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ, وَأَهْلَ الشِّقَاقِ, وَالنِّفَاقِ, وَمَسَاوِئِ الأَخْلاَقِ, قَدْ سَمِعْتُ تَكْبِيرًا لَيْسَ بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي يُرَادُ اللَّهُ بِهِ فِي التَّرْهِيبُ, وَلَكِنَّهُ التَّكْبِيرُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ التَّرْغِيبُ, إِنَّهَا عَجَاجَةٌ تَحْتَهَا قَصْفٌ، أَيْ بَنِي اللَّكِيعَةِ, وَعَبِيدَ الْعَصَا, وَأَوْلاَدَ الإِمَاءِ, أَلاَ يَرْقَا الرَّجُلُ مِنْكُمْ عَلَى ظُلْعِهِ, وَيُحْسِنُ حَمْلَ رَأْسِهِ, وَحَقْنَ دَمِهِ, وَيُبْصِرُ مَوْضِعَ قَدَمِهِ، وَاللَّهِ مَا أَرَى الأُمُورَ تَنْفَكُّ بِي وَبِكُمْ حَتَّى أَوْقِعَ بِكُمْ وَقْعَةً تَكُونُ نَكَالاً لِمَا قَبْلَهَا, وَتَأْدِيبًا لِمَا بَعْدَهَا.
66 - وَأَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: قَالَ الْحَجَّاجُ لِلْحَكَمِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ: مَا تَلْبَسُ فِي الشِّتَاءِ؟ قَالَ: ظَاهِرَ الْخَزِّ, قَالَ: فَفِي الرَّبِيعِ؟ قَالَ: الْعَصْبُ، قَالَ: فَفِي الصَّيْفِ؟ قَالَ: ثِيَابَ سَابُورَ؟ قَالَ: فَتَشْرَبُ اللَّبَنَ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ مَذْفَرَةٌ مَبْخَرَةٌ مَجْفَرَةٌ, قَالَ: فَتَشْرَبُ الطِّلاَءَ؟ قَالَ: لاَ, قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ مَيْأَسَةٌ مَنْفَحَةٌ مَقْطَعَةٌ، قَالَ: فَمَا تَشْرَبُ؟ قَالَ: نَبِيذَ الدَّقَلِ فِي الصَّيْفِ, وَنَبِيذَ الْعَسَلِ فِي الشِّتَاءِ، قَالَ: أَنْتَ الَّذِي يَقُولُ لَكَ الشَّاعِرُ:
يَا حَكَمُ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ ... سُرَادِقُ الْمَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودُ؟
أَنْتَ الْجَوَّادُ وَالْجَوَّادُ مَحْمُودُ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَاللَّهِ لاَجْعَلَنَّ سُرَادِقَكَ السِّجْنَ، ثُمَّ قَالَ الْحَكَمُ:
مَتَى أَكُنْ فِي السِّجْنِ فِي حَبْسِ مَاجِدٍ ... فَإِنِّي عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ صَبُورُ؟
فَلَوْ كُنْتُ خِفْتُ النِّكْثَ وَالْغَدْرَ لَمْ أُجِبْ ... دُعَاكَ إِذْ كَانَ الأَمَانُ غُرُورُ.
لَقَدْ كُنْتُ دَهْرًا مَا أُخَوَّفُ بِالَّتِي ... تَخَافُ وَمَا يَسْطُو عَلَيَّ أَمِيرُ
فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: مَا لَكَ لاَ تُبَالِي مَنْ تَزَوَّجْتَ؟ قَالَ: إِنِّي لاَ أَتَشَرَّفُ بِهِنَّ, وَهُنَّ يَتَشَرَّفْنَ بِي.

الصفحة 125