كتاب الإشراف في منازل الأشراف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

107 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ الْعُكْلِيُّ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيِّ, قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، قَالَ: كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ, أَمَّا بَعْدُ, يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ, فَقَدْ عَرَضَتْ لِي أَسَقَامٌ وَأَوْجَاعٌ قَدْ خِفْتُ عَلَى نَفْسِي مِنْهَا, فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَبْعَثَ إِلَيَّ بَعْضَ أَطِبَّائِكَ فَافْعَلْ, لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ طَبِيبًا, فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ الطَّبِيبُ, قَالَ لَهُ: يَا طَبِيبُ, وَلاَ طَبِيبَ إِلاَ اللَّهُ, انْعَتْ لِي مِنْ وَجَعِي الَّذِي بِي, قَالَ: فَمَا هُوَ أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ؟ قَالَ: تُخَمٌ أَجِدُهَا، قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ تُخْمَةٌ قَطُّ إِلاَ وَأَصْلُهَا مِنْ قِبَلِ الشَّرَابِ, وَسَوْفَ أَنْعَتُ لَكَ الأَشْرِبَةَ, وَأَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا, فَإِنْ أَصَبْتُ كَانَ لِي بِذَلِكَ عِنْدَكَ عَطَاءٌ جَزْلٌ, وَإِنْ أَخْطَأْتُ فَقَدْ حَلَّتْ لَكَ عُقُوبَتِي، وَكَانَ الْحَجَّاجُ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ, فَقَالَ: نَحْنُ آخِذُوكَ بِمَا قُلْتَ, هَاتِ مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: الأَشْرِبَةُ خَمْسَةٌ، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: الْمَاءُ وَالطِّلاَءُ وَاللَّبَنُ وَالْعَسَلُ وَالسَّوِيقُ، قَالَ: فَأَيْنَ النَّبِيذُ؟ قَالَ: لَيْسَ مِنْ شَرَابِ النَّاسِ الأَوَّلِ, وَلَيْسَ أَصْلُهُ عِنْدَنَا فِي الطِّبِّ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ, قَالَ: فَانْعَتْ لِي, قَالَ: أَمَّا الْمَاءُ: فَقَاضِي الْقُضَاةِ, وَلاَ يَصْلُحُ شَيْءٌ إِلاَ بِهِ, وَهُوَ خَيْرُهَا وَأَصَحُّهَا وَأَحَلُّهَا، وَأَمَّا الطِّلاَءُ: فَإِنَّهُ فَتَى الْفِتْيَانِ, يَسُرُّ صَاحِبَهُ مَرَّةً, وَيَسُوءُهُ مَرَّةً أُخْرَى، إِذَا شَرِبَهُ صَاحِبُهُ تَلَقَّتْهُ الْعُرُوقُ فَاتِحَةً أَفْوَاهَهَا كَأَفْوَاهِ الْفِرَاخِ الَّتِي رَأَيْتَ، مُحَسِّنَةٌ لِلَّوْنِ, مُطَيِّبَةٌ لِلنَّفَسِ، وَأَمَّا اللَّبَنُ: فَإِنَّ صَاحِبَهُ إِذَا شَرِبَهُ فَإِنَّهُ يَقْصُدُ لِلْقَلْبِ حَتَّى يَنْتَفِضَ مِنْهُ صَاحِبُهُ كَانْتِفَاضِ الْعُصْفُورِ الَّذِي رَأَيْتَ مِنَ بَلَلِ الْمَطَرِ, يَجْلُو الْبَصَرَ, وَيُخْمِصُ الْبَطْنَ, وَيُذْهِبُ الْقَرْمَ قَرْمَ اللَّحْمِ, وَيَحْمِلُ اللَّحْمَ عَلَى رُؤُوسِ الْعِظَامِ تُحْفَةٌ لِلْكَبِيرِ, وَيَغْذُو الصَّغِير, ويجبر الْكَبِيرِ, وَيَفُكُّ الأَسِيرَ، وَأَمَّا الْعَسَلُ: فَإِنَّ صَاحِبَهُ إِذَا شَرِبَهُ يَجْثُمُ عَلَى رَأْسِ الْمَعِدَةِ, ثُمَّ يَقْذِفُ بِالدَّاءِ يَزِيدُ فِي الْعُرُوقِ, وَيَزِيدُ فِي الطَّرْقِ، وَأَمَّا السَّوِيقُ: فَإِنَّهُ مَنْفَخَةٌ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ, مَعْمُورٌ, مَقْهُورٌ فِي الْحَضَرِ, قَوِيُّ مُجْزِئٌ فِي السَّفَرِ، قَالَ الْحَجَّاجُ: مَا سَمِعْنَا كَالْيَوْمِ أَحْسَنَ وَلاَ أَجْمَلَ, مَا أَرَاكَ إِلاَ قَدِ اسْتَوْجَبْتَ عَلَيْنَا الْعَطَاءَ الْجَزْلَ, فَانْعَتِ النَّبِيذَ, فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ نَعْتِهِ, قَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ, أَمَّا إِذَا أَبَيْتَ عَلَيَّ, فَإِنَّهُ يَقْصِدُ لَقُبُلِ الرَّجُلِ حَتَّى يُسْهِلْهُ, فَضَحِكَ الْحَجَّاجُ حَتَّى رَكَضَ مِرْفَقَتَيْنِ بِرِجْلِهِ, ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ دَاخِلٍ عَلَيْهِ مِنَ الأَطِبَّاءِ وَآخِرَ خَارِجٍ.

الصفحة 137