كتاب الإشراف في منازل الأشراف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

377 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا, مَوْلَى الشَّعْبِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ النَّابِغَةَ الذُّبْيَانِيَّ قَالَ لِلنُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ:
تَرَاكَ الأَرْضُ إِمَّا مُتَّ حَقًّا ... وَتَحْيَا مَا حَيِيتَ بِهَا نَبِيلاَ
قَالَ النُّعْمَانُ: هَذَا بَيْتٌ إِنْ أَنْتَ لَمْ تُتْبِعْهُ مَا يُوَضِّحُ مَعْنَاهُ, فَهُوَ إِلَى الْهِجَاءِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْمَدِيحِ, فَأَرَادَ ذَلِكَ النَّابِغَةُ, فَعَسَرَ عَلَيْهِ, فَقَالَ: أَجِّلْنِي، فَقَالَ: قَدْ أَجَلَّتُكَ ثَلاَثًا، فَإِنْ أَنْتَ أَتْبَعْتَهُ مَا يُوَضِّحُ مَعْنَاهُ, فَلَكَ مِئَةٌ مِنَ الْعَصَافِيرِ نَجَائِبُ, وَإِلاَّ فَضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ, أَخَذَتْ مِنْكَ مَا أَخَذَتْ, فَأَتَى النَّابِغَةُ زُهَيْرَ بْنَ أَبِي سُلْمَى, فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ زُهَيْرٌ: اخْرُجْ بِنَا إِلَى الْبَرِيَّةٍ, فَإِنَّ الشِّعْرَ بَرِّيُّ, فَخَرَجَا وَتَبِعَهُمَا ابْنٌ لِزُهَيْرٍ, يُقَالُ لَهُ: كَعْبٌ, فَقَالَ: يَا عَمِّ, أَرْدِفْنِي, فَصَاحَ بِهِ أَبُوهُ, فَقَالَ: دَعِ ابْنَ أَخِي يَكُونُ مَعَنَا, فَأَرْدَفَهُ, فَتَجَاوَلاَ الْبَيْتَ مَلِيًّا, فَلَمْ يَأْتِهِمَا مَا يُرِيدَانِ, فَقَالَ كَعْبٌ: يَا عَمِّ, مَا يَمْنَعُكُ أَنْ تَقُولَ:
وَذَاكَ بِأَنْ حَلَلْتَ الْعِزَّ مِنْهَا ... فَتَعْمِدُ جَانِبَيْهَا أَنْ تَمِيلاَ
قَالَ النَّابِغَةُ: جَاءَ بِهَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ, لَسْنَا وَاللَّهِ فِي شَيْءٍ قَدْ جَعَلْتُ لَكَ يَا ابْنَ أَخِي مَا جَعَلَ لِي, قَالَ: وَمَا جَعَلَ لَكُ يَا عَمِّ؟ قَالَ: مِئَةً مِنَ الْعَصَافِيرِ نَجَائِبَ. قَالَ: مَا كُنْتُ لآخُذَ عَلَى شِعْرِي صَفَدًا, فَأَتَى بِهَا النَّابِغَةُ النُّعْمَانَ, فَأَخَذَ مِنْهُ مِئَةَ نَاقَةٍ سَوْدَاءَ الْحَدَقَةِ.

الصفحة 213