كتاب الإشراف في منازل الأشراف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

438 - حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطِ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَذَا وَكَذَا, فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِرَأْيِكَ، فَقَالَ: أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى هَذَا؟ أُخْبِرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَيَسْأَلُنِي رَأْيِي؟ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آثَرُ عِنْدِي وَدِينِي مِنْ أَنْ أَقُولَ فِيهَا بِرَأْيِي, وَاللَّهِ لأَنْ أَتَغَنَّى بِغَنِيَّةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ فِيهَا بِرَأْيِي.
439 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِنِّي لأَسِيرُ بِتُسْتَرَ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِهَا زَمَنَ فُتِحَتْ, إِذْ قُلْتُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ, فَسَمِعَنِي هِرْبَذٌ مِنْ أُولَئِكَ الْهَرَابِذَةِ، فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ هَذَا الْكَلاَمَ مِنْ أَحَدٍ مُذْ سَمِعْتُهُ مِنَ اللهِ, قَالَ: قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ رَجُلاً أَفِدُ عَلَى الْمُلُوكِ, أَفِدِ عَلَى كِسْرَى, وَقَيْصَرَ, فَوَفَدْتُ عَامًا عَلَى كِسْرَى, فَخَلَفَنِي فِي أَهْلِي شَيْطَانٌ تَصَوَّرَ عَلَى صُورَتِي, فَلَمَّا قَدِمْتُ لَمْ يُهَشَّ إِلَيَّ أَهْلِي كَمَا يَهَشُّ أَهْلُ الْغَائِبِ إِلَى غَائِبِهِمْ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّكَ لَمْ تَغِبْ, قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: وَظَهَرَ لِي الشَّيْطَانُ, فَقَالَ: اخْتَرْ, إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَكَ مِنْهَا يَوْمٌ وَلِي يَوْمٌ وَإِلاَ أَهْلَكْتُكَ, قَالَ: فَاخْتَرْتُ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَوْمٌ وَلِي يَوْمٌ, قَالَ: فَأَتَانِي يَوْمًا, فَقَالَ: إِنَّهُ مِمَّنْ يَسْتَرِقُ السَّمْعَ, وَإِنَّ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ بَيْنَنَا نُوَبٌ, وَإِنَّ نَوْبَتِي اللَّيْلَةَ, فَهَلْ لَكَ أَنْ تَجِيءَ مَعَنَا؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ, فَلَمَّا أَمْسَى أَتَانِي فَحَمَلَنِي عَلَى ظَهْرِهِ, فَإِذَا لَهُ مَعْرَفَةٌ كَمَعْرَفَةِ الْخِنْزِيرِ, فَقَالَ لِي: اسْتَمْسِكْ, فَإِنَّكَ تَرَى أُمُورًا وَأَهْوَالاً, فَلاَ تُفَارِقْنِي فَتَهْلِكَ, قَالَ: ثُمَّ عَرَجُوا حَتَّى لَصِقُوا بِالسَّمَاءِ. قَالَ: فَسَمِعْتُ قَائِلاً يَقُولُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ, مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ, وَمَا لاَ يَشَاءُ اللَّهُ لاَ يَكُونُ, قَالَ: فَلِيحَ بِهِمْ, فَوَقَعُوا مِنْ وَرَاءِ الْعُمْرَانِ فِي غِيَاضٍ وَشَجَرٍ, قَالَ: وَحَفِظْتُ الْكَلِمَاتِ, فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ أَهْلِي, فَكَانَ إِذَا جَاءَ قُلْتُهُنَّ, فَيَضْطَرِبُ, حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ كُوَّةِ الْبَيْتِ, فَلَمْ أَزَلْ أَقُولُهُنَّ حَتَّى انْقَطَعَ عَنِّي.

الصفحة 230