كتاب اصطناع المعروف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

64 - حدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ, حدَّثَنا سفيان, حَدَّثَنِي عمار بن رزيق الضبي قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لن يستغني الرجل عن عشيرته, ولو كان ذا مال وولد, عن مودتهم وكرامتهم وحيطتهم من ورائه وعطفهم عليه, ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم إذا أصابته مصيبة, أو نزل به بعض مكاره الأمور, ونزوع يده من عشيرته, وإنما ينزع يدا واحدة وينزعون منه أيد كثيرة, ومن يلين حاشيته يعرف صديقه مودته, ومن يصنع المعروف إذا وجده أخلف الله له ما أنفق, ويضاعف له الأجر في الآخرة, فلا يزداد من أحدكم في أخيه زهدًا ولا منه بعدا إذا لم ير منه مروءة يسره, وإن كان معوزا في المال, ولا يزداد أحدكم كبرا ولا عظمة, عن عشيرته, وإن كان مكثرا من المال, ولا يغفلن أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة بها فسدها بما لا ينفعه إن أمسكه, ولا يضره إن أنفقه.
65 - حَدَّثَنِي الحسين بن الحسن الكوفي, قال: حدَّثَنا أبو الجنيد, واسمه: الحسين بن خالد, قال: خرج عبيد بن الأبرص في بعض أموره, ومعه صاحب له, فإذا هو بشجاع يتقلب في الرمضاء, فقالوا: يا عبيد, دونك الشجاع فاقتله, قال: هو إلا أن أسقيه من الماء أحوج, قالوا: يا عبيد, دونك الشجاع فاقتله وإلا قتلناه, قال: سأكفيكهموه, فأخذ إداوة من ماء كانت معه, فصب له فشرب, ثم أخذ فضلها فصب على رأسه ومضى, فلما قضى سفره إذ ضل به بكره, فإذا هاتف يهتف به:
يا صاحب البكر المضل مذهبه ... وليس عنه ذو رشاد يصحبه
دونك هذا البكر منا فاركبه ... وبكرك الدارج أيضا فاجنبه
حتى إذا الليل تولى مغربه ... وسطع الصبح ولاح كوكبه
فحط عنه رحله وسبسبه.
قال: فالتفت, فإذا هو ببكر, فشد عليه رحله فركبه, فلما قرب الصبح عرف المكان فقال:
يا صاحب البكر قد أنجيت من ضرر ... ومن فيافي تضل المدلج الهادي
ألا أبيت لنا بالصبح تعرفه ... من الذي جاد النعماء بالوادي
فارجع حميدا فقد بلغت مأمننا ... بوركت من ذي سنام رائح غادي
فأجابه:
أنا الشجاع الذي أبصرته رمضا ... ومنزلي نزه من مورد صاد
فجدت بالماء لما ضن حامله ... أرويت هامي ولم تبخل بأنكاد
الخير يبقى وإن طال الزمان به ... والشر أخبث ما أوعيت من زاد.

الصفحة 268