كتاب إصلاح المال لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

127 - حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ, حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ, عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ, قَالَ: قُطِعَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ فَقِيلَ لَهُ: عَلَيْكَ بِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ, فَأَتَى وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ, فَذَكَرَ لَهُ حَاجَتَهُ, فَقَامَ مَعَهُ, فَانْطَلَقَ إِلَى أَهْلِهِ, فَمَرَّ بِقِطْعَةِ كِسَاءٍ, أَوْ خِرْقَةٍ مَطْرُوحَةٍ فِي كِسَاءٍ, فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ فَنَفَضَهَا ثُمَّ تَعَلَّقَهَا بِيَدِهِ, فَقَالَ الرَّجُلُ فِي نَفْسِهِ: وَمَا أَرَى عِنْدَ هَذَا خَيْرًا؟ فَلَمَّا دَخَلَ دَارَهُ, رَأَى غِلْمَانًا لَهُ يُعَالِجُونَ، يَعْمَلُونَ أَجِلَّةَ الإِبِلِ, فَرَمَى بِهَا إِلَيْهِمْ, فَقَالَ: اسْتَعِينُوا بِهَذِهِ فِي بَعْضِ مَا تُعَالِجُونَ, ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِرَاحِلَةٍ مُقَتَّبَةٍ, مُحَقَّبَةٍ, وَأَحْسِبُهُ ذَكَرَ زَادًا.
128 - وَبَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا أَتَوْا قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ, فَسَأَلُوهُ حَمَالَةً, فَرَأَوْهُ فِي حَائِطٍ لَهُ يَلْتَقِطُ التَّمْرَ وَالْحَشَفَ, وَيُمَيِّزُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَهْ, فَقَالُوا: مَا عِنْدَ هَذَا خَيْرٌ, ثُمَّ كَلَّمُوهُ, فَقَضَى حَاجَتَهُمْ, فَقَالُوا: مَا أَبْعَدَ هَذَا مِنْ فِعْلِكَ الأَوَّلِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أُعْطِيكُمْ مِنْ هَذَا الَّذِي أَجْمَعُ.
129 - قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ حَائِطًا, فَإِذَا هُوَ مُؤْتَزِرٌ وَبِيَدِهِ الْمِسْحَاةُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي نَخْلِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ, قَالَ: فَقُلْتُ: أَمَا عِنْدَكَ مَنْ يَكْفِيكَ هَذَا؟ قَالَ: إِنَّهُ لاَبُدَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ ثَلاَثٍ: فِقْهٌ فِي دِينِهِ, وَتَدْبِيرٌ فِي مَعِيشَتِهِ, وَمُعَاشَرَةٌ لِلنَّاسِ بِالْمَعْرُوفِ.
130 - حَدَّثَنِي أَبِي, عَنِ الأَصْمَعِيِّ, قَالَ: أَخْبَرَنِي أَعْرَابِيٌّ, أَنَّ عَامِلاً لِهِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ, كَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّي اسْتَخْرَجْتُ لَكَ عَيْنًا خَرَّارَةً فِي أَرْضٍ خَوَّارَةٍ, يَفْجُرُ أَنْفَ الْفَارَةِ. وَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ: بَلَغَنِي كِتَابُكَ, وَفَهِمْتُ مَا كَتَبْتَ, فَانْظُرْ إِلَى أَرْضٍ عَلاَ فِيهَا الْمَاءُ فَاغْرِسْ فِيهَا النَّخْلَ وَحَضِّرْهَا بِالْبَقْلِ, وَأَلْصِقْ بِالْكُرَّاثِ بُقُولاً, اجْعَلِ الْكُرَّاثَ أَكْثَرَهُ, فَإِنَّهُ أَبْقَى لَلْبَقْلِ, وَابْنِ لِي فِيهَا بِنَاء مِنْ بِنَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا, وَضَعِ الدِّرْهَمَ عَلَى الدِّرْهَمِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مَالاً.

الصفحة 340