كتاب إصلاح المال لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

437 - أَنْشَدَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ, مِنَ الأَزْدِ، قَالَ: أَنْشَدَنِي أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَاهِلَةَ:
سَأُعْمِلُ نَصَّ الْعِيسِ حَتَّى يَكُفَّنِي ... غِنَى الْمَالِ يَوْمًا أَوْ غِنَى الْحَدَثَانِ
فَلَلْمَوتُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ يُرَى لَهَا ... عَلَى الْمَرْءِ بِالإِقْلاَلِ وَسْمُ هَوَانِ
مَتَى يَتَكَلَّمْ يُلْغَ حُكْمُ كَلاَمِهِ ... وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَالُوا: عَدِيمُ بَيَانِ
كَأَنَّ الْغِنَى عَنْ أَهْلِهِ بُورِكَ الْغِنَى ... بِغَيْرِ لِسَانٍ نَاطِقٌ بِلِسَانِ.
438 - قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَا رَأَيْتُ الْحَزَامَةَ فِي الرَّأْيِ الْبَعِيدِ مَسَافَةَ النَّظَرِ اللَّطِيفِ فِي الْعِلْمِ بِغَوَامِضِ الأُمُورِ حَدَثًا مِنَ التَّعَضُّلِ مُوحِشَ الْجَوَانِبِ مِنَ الْعَدَمِ, قَدْ عَفَى عَلَى حُسْنِ تَدْبِيرِهِ تَعَذُّرُ الأُمُورِ عَلَيْهِ، وَأَخْلَقَ عَقْلَهُ الإِقْتَارُ، وَكَأَنَّهُ بِمَعْزِلٍ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَفُزْ مِنْهَا مَا يَسْتَنْبِطُ مُبْهَمَ مَكْنُونِهِ، وَلاَ تَهَدَّلَتْ غُصُونُهَا عَلَيْهِ فَيَفْهَمُونَهُ, وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ أَرْضُونَ تَجُولُ فِيهَا الأَبْصَارُ، وَمَنْ عَمَّرَتْ بِهِ الدُّنْيَا بِزَبْرَجِهَا أَبْهَجَ النَّاظِرَ بِالْتِفَافِ حَدَائِقِهِ، وَعَمُرَ مَرْعَاهُ مِنَ الرَّاتِعِينَ فِيهِ، فَاتَّقَى الْمُتَأَمِّلِينَ لَهُ بِعَمِيمِ نَبْتِهِ, وَقَدْرِ مَجْنَى ثَمَرِهِ، وَإِذَا تَعَطَّلَ الْكَامِلُ [عَنْ] عُمْرَانِ الزَّمَانِ وَضَرَبَ عَزَالَى الأَيَّامِ, أَقْفَرَتْ بِقَاعُ عِلْمِهِ, وَأَجْدَبَ مَكَارِمَ حَدَائِقِهِ، وَإِنْ كَانَ كَرِيمَ الْمُسْتَنْبَطِ عَطِرَ الْمُسْتَثَارِ، وَإِنَّمَا قَايَسَ عُيُونَ الْهَوَامِّ بِمَا أَبَقَ مِنَ الْمَنَاظِرِ بِوَحْشَةِ الْبَلَدِ الْخَالِي مِنَ الْعِمَارَةِ.
439 - وَقَالَ حَسَّانُ:
رُبَّ حِلْمٍ أَزْرَى بِهِ عَدَمُ الْمَالِ ... وَجَهْلٌ غَطَّى عَلَيْهِ النَّعِيمُ.

الصفحة 408