كتاب الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

10 - أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ، أَنَّ زِيَادًا وَقَفَ عَلَى هِنْدَ بِنْتِ النُّعْمَانِ، فَسَأَلَهَا أَنْ تُحَدِّثَهُ، فَقَالَتْ: أَصْبَحْنَا ذَا صَبَاحٍ وَمَا فِي الْعَرَبِ أَحَدٌ إِلاَّ يَرْجُونَا، ثُمَّ أَمْسَيْنَا وَمَا فِي الْعَرَبِ أَحَدٌ إِلاَّ يَرْحَمُنَا.
11 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى الْعُكْلِيُّ، قَالَ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيِّ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا هُمْ فِيهِ بَكَتْ بُكَاءً، فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ، أَذَكَرْتِ مُلْكَ أَهْلِ بَيْتِكِ؟ قَالَتْ: لاَ، وَلَكِنَّ كُلَّ قَوْمٍ رَهْنٌ بِمَا يَسُوءُهُمْ.
12 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَحْبُوبٌ الْعَابِدُ، قَالَ: مَرَرْتُ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْكُوفَةِ غَدَاةً، فَسَمِعْتُ جَارِيَةً تُنَادِي مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ:
أَلاَ يَا دَارُ لاَ يَدْخُلْكِ حُزْنٌ ... وَلاَ يَذْهَبْ بِسَاكِنِكِ الزَّمَانُ
ثُمَّ مَرَرْتُ بِالدَّارِ, فَإِذَا الْبَابُ وَقَدْ عَلَتْهُ كَآبَةٌ وَوَحْشَةٌ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: مَاتَ سَيِّدُهُمْ، مَاتَ رَبُّ الدَّارِ، فَوَقَفْتُ عَلَى بَابِ الدَّارِ فَقَرَعْتُهُ, وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ هَاهُنَا صَوْتَ جَارِيَةٍ تَقُولُ:
أَلاَ يَا دَارُ لاَ يَدْخُلْكِ حُزْنٌ ... وَلاَ يَذْهَبْ بِسَاكِنِكِ الزَّمَانُ
فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الدَّارِ وَبَكَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُغَيِّرُ وَلاَ يُغَيَّرُ، وَالْمَوْتُ غَايَةُ كُلِّ مَخْلُوقٍ، فَرَجَعْتُ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِهِمْ بَاكِيًا.
13 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ مُنْقِذٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ الْحَسَنِ إِلَى السُّوقِ، فَإِذَا جَارِيَةٌ تَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ، مِثْلُ يَوْمِكَ لاَ أَرَى، قَالَ الْحَسَنُ: وَأَبُوكِ مِثْلُ يَوْمِهِ مَا رَأَى، يَا بُنَيَّةُ, دُلِّينِي عَلَى مَنْزِلِكِ، فَانْطَلَقَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَانْطَلَقَ الْحَسَنُ وَنَحْنُ مَعَهُ, حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَنَادَى: يَا أَهْلَ هَذِهِ الدَّارِ، مَا لِي أَرَى هَذَا الْبَابَ مَهْجُورًا, بَعْدَ أَنْ كَانَ مَعْمُورًا؟ قَالَ: فَنَادَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ: يَا عَبْدَ اللهِ، هَكَذَا أَبْوَابُ الأَرَامِلِ وَالْيَتَامَى، فَانْصَرَفَ الْحَسَنُ بَاكِيًا.

الصفحة 425