كتاب الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

فَقُلْتُ: يَا هَذِهِ، إِنَّكُمْ مِنَ الدُّنْيَا فِي سَعَةٍ، وَمِنَ الْعَيْشِ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ، وَقَدْ أَفْسَدْتِ ذَاكَ عَلَى صَاحِبِكَ بِطُولِ بُكَائِكِ، وَدَوَامِ حُزْنُكِ، فَمِمَّ ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ يُسَائِلُنِي عَنْ ذَاكَ مُنْذُ مُدَّةٍ, فَمَا أُخْبِرُهُ، نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لَمْ نُصَبْ بِمُصِيبَةٍ، وَلَمْ تَنْزِلْ بِنَا جَائِحَةٌ، وَلَمْ نَثْكِلْ وَلَدًا، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا لاَ يَتِمُّ عَلَى مَا أَرَى، وَنَفْسِي مُتَوَقِّعَةٌ أَمْرًا يَنْزِلُ بِنَا، فَطُولُ بُكَائِي، وَدَوَامُ حُزْنِي لِذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهَا: فَلِمَ تُعَجِّلِينَ الْبُكَاءَ، دِعِي الأَمْرَ حَتَّى يَقَعَ، قَالَتْ: إِنَّ نَفْسِي تَأْبَى أَنْ تَسْكُنَ مَعَ تَغَيُّرِ مَا تَعْلَمُ، قَالَ: فَارْتَحَلْتُ مِنْ عِنْدِهِمْ إِلَى هِشَامٍ، ثُمَّ رَجَعْتُ, فَمَرَرْتُ بِهِمْ، فَإِذَا الأَعْرَابُ وَالأَكْرَادُ قَدْ أَغَارُوا عَلَيْهِمْ، فَقَتَلُوا الدِّهْقَانَ وَوَلَدَهُ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، وَأَخْرَبُوا ضِيَاعَهُمْ، فَأَتَيْتُ الْمَرْأَةَ, فَتَوَجَّعْتُ لَهُمَا مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ، فَقَالَتْ: أَبَا فُلاَنٍ، قَدْ حَلَّ بِنَا مَا كُنَّا نَتَوَقَّعُ، فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ: وَيْحَكَ، فَإِنَّمَا طَالَ فِكْرِي لِلأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، قَالَ: فَمَا لَبِثُوا أَنْ حَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ.
27 - قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ: حَدَّثَنِي نَابِلُ بْنُ نَجِيحٍ، قَالَ: كَانَ بِالْيَمَامَةِ رَجُلاَنِ ابْنَا عَمٍّ، فَكَثُرَ مَالُهُمَا، فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا مَا يَقَعُ بَيْنَ النَّاسِ، فَرَحَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ, قَالَ: فَإِنِّي لَيْلَةً قَدْ ضَجِرْتُ بِرُغَاءِ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْكَثْرَةِ إِذْ أَخَذْتُ بِيَدِ صَبِيٍّ لِي وَعَلَوْتُ فِي الْجَبَلِ، فَأَنَا كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ السَّيْلُ، فَجَعَلَ مَالِي يَمُرُّ بِي وَلاَ أَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئًا، حَتَّى رَأَيْتُ نَاقَةً لِي قَدْ عَلِقَ خِطَامُهَا بِشَجَرَةٍ، فَقُلْتُ: لَوْ نَزَلْتُ إِلَى هَذِهِ, فَأَخَذْتُهَا, لَعَلِّي أَنْجُو عَلَيْهَا أَنَا وَبُنَيَّ هَذَا، فَنَزَلْتُ, فَأَخَذْتُ الْخِطَامَ وَجَذَبَهَا السَّيْلُ، فَرَجَعَ عَلَيَّ غُصْنُ الشَّجَرَةِ, فَذَهَبَ مَاءُ إِحْدَى عَيْنَيَّ، وَأَفْلَتَ الْخِطَامُ مِنْ يَدِي، فَذَهَبَتِ النَّاقَةُ، وَرَجَعْتُ إِلَى الصَّبِيِّ, فَوَجَدْتُهُ قَدْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ، فَأَصْبَحْتُ لاَ أَمْلِكُ شَيْئًا، فَقُلْتُ: لَوْ ذَهَبْتُ إِلَى ابْنِ عَمِّي لَعَلَّهُ يُعْطِينِي شَيْئًا، فَمَضَيْتُ إِلَيْهِ, فَقَالَ لِي: قَدْ بَلَغَنِي مَا أَصَابَكَ، وَاللَّهِ مَا أَحْبَبْتُ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَكَ، فَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ مِمَّا أَصَابَنِي، فَقُلْتُ: أَمْضِي إِلَى الشَّامِ فَأَطْلُبُ، فَلَمَّا دَخَلْتُ إِلَى دِمَشْقَ إِذَا النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أُصِيبَ بِابْنٍ لَهُ، فَاشْتَدَّ حُزْنُهُ عَلَيْهِ، فَأَتَيْتُ الْحَاجِبَ فَقُلْتُ: إِنِّي أُحَدِّثُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِحَدِيثٍ يُعَزِّيهِ عَنْ مُصِيبَتِهِ هَذِهِ، فَقَالَ: أَذْكُرُ ذَلِكَ لَهُ، وَذَكَرَهُ, فَقَالَ: أَدْخِلْهُ، فَأَدْخَلَنِي, فَحَدَّثْتُهُ بِمُصِيبَتِي، فَقَالَ: قَدْ عَازَيْتَنِي بِمُصِيبَتِكَ عَنْ مُصِيبَتِي، وَأَمَرَ لِي بِمَالٍ, فَعُدْتُ وَتَرَاجَعَتْ حَالِي.

الصفحة 434