كتاب الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

28 - أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ, قَالَ: قَدِمَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ, وَمَعَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُرْوَةَ، فَدَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عُرْوَةَ دَارَ الدَّوَابِّ, فَضَرَبَتْهُ دَابَّةٌ, فَمَاتَ، وَوَقَعَتْ فِي رِجْلِ عُرْوَةَ الآكِلَةُ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: اقْطَعْهَا، قَالَ: لاَ، فَتَرَقَّتْ إِلَى سَاقِهِ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: اقْطَعْهَا, وَإِلاَّ أَفْسَدَتْ جَسَدَكَ، فَقُطِعَتْ بِالْمِنْشَارِ, وَهُوَ يُسَبِّحُ لَمْ يُمْسِكْهُ أَحَدٌ، فَقَالَ: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} وَلَمْ يَدَعْ وِرْدَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
- قَالَ وَقَدِمَ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي عَبْسٍ، فِيهِمْ رَجُلٌ ضَرِيرٌ، فَسَأَلَهُ عَنْ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: بِتُّ لَيْلَةً فِي بَطْنِ وَادٍ, وَلاَ أَعْلَمُ فِي الأَرْضِ عَبْسِيًّا يَزِيدُ مَالُهُ عَلَى مَالِي، فَطَرَقَنَا سَيْلٌ, فَذَهَبَ مَا كَانَ لِي مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ وَمَالٍ، غَيْرَ صَبِيٍّ مَوْلُودٍ وَبَعِيرٍ، وَكَانَ الْبَعِيرُ صَعْبًا فَنَدَّ، فَوَضَعْتُ الصَّبِيَّ, وَاتَّبَعْتُ الْبَعِيرَ, فَلَمْ أُجَاوِزْهُ, حَتَّى سَمِعْتُ صَيْحَةَ الصَّبِيِّ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ وَرَأْسُ الذِّئْبِ فِي بَطْنِهِ يَأْكُلُهُ، وَاسْتَدْبَرْتُ الْبَعِيرَ لأَحْبِسَهُ, فَنَفَحَنِي بِرِجْلِهِ, فَأَصَابَ وَجْهِيَ فَحَطَمَهُ، وَذَهَبَتْ عَيْنَايَ، فَأَصْبَحْتُ لاَ أَهْلَ, وَلاَ مَالَ, وَلاَ وَلَدَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى عُرْوَةَ, فَيُخْبِرُهُ خَبَرَهُ، لِيَعْلَمَ أَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ بَلاَءً.

الصفحة 435