كتاب الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

29 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَازِنِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ, أَبُو عُثْمَانَ, مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ثِقَةٌ، قَالَ: نَظَرَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا الْحُسْنِ، وَهَذِهِ النَّضَارَةِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ مِنْ قِلَّةِ الْحُزْنِ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَيَذْبَحُنِي الْحُزْنُ, مَا يُشْرِكُنِي فِيهِ أَحَدٌ، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَتْ: ذَبَحَ زَوْجِي شَاةً مُضَحِّيًا، وَلِي صَبِيَّانِ يَلْعَبَانِ، فَقَالَ أَكْبَرُهُمَا لِلأَصْغَرِ: أُرِيكَ كَيْفَ صَنَعَ أَبِي بِالشَّاةِ؟ فَعَقَلَهُ فَذَبَحَهُ، فَمَا شَعُرْنَا بِهِ إِلاَّ مُتَشَحِّطًا، فَلَمَّا اسْتَهَلَّتِ الصَّيْحَةُ هَرَبَ الْغُلاَمُ نَاحِيَةَ الْجَبَلِ, فَرَهَقَهُ ذِئْبٌ فَأَكَلَهُ، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، وَقَدِ اتَّبَعَهُ أَبُوهُ يَطْلُبُهُ, فَمَاتَ عَطَشًا، فَأَفْرَدَنِي الدَّهْرُ، قَالَ: فَكَيْفَ صَبْرُكِ؟ فَقَالَتْ: لَوْ رَأَيْتُ فِي الْجَزَعِ دَرَكًا مَا اخْتَرْتُ عَلَيْهِ.
30 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ, أَبُو الْحَسَنِ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ الطَّوِيلِ، عَنْ عِيسَى بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ، أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ, مِنْ بَنِي سَهْمٍ, كَانَ لَهَا سَبْعَةُ إِخْوَةٍ، فَسَقَطَ قِدْرٌ لَهَا فِي بِئْرٍ، فَنَزَلَ أَحَدُ إِخْوَتِهَا لْيُخْرِجَهُ, فَأَسِنَ, فَمَاتَ، فَنَزَلَ الآخَرُ, فَمَاتَ، ثُمَّ تَتَابَعُوا, فَمَاتَ سَبْعَتُهُمْ، فَقَالَتْ:
إِخْوَتِي لاَ تَبْعُدُوا أَبَدًا ... وَيْلِي وَاللَّهِ قَدْ بَعُدُوا
كُلُّ مَنْ يَمْشِي بِصَفْوَتِهَا ... يَرِدُ الْمَاءَ الَّذِي وَرَدُوا.

الصفحة 436