كتاب الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

34 - حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ قُرَيْبَةَ الذِّمَارِيَّةِ، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيْنَا أَعْرَابِيَّةٌ, يُقَالُ لَهَا: تُمَاضِرُ، مَعَهَا سَبْعَةُ بَنِينَ لَهَا، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّمَا عُدْتُ بِهِمْ قُبُورًا، قَالَتْ: فَبَيْنَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ تُحَدِّثُ, إِذْ ضَحِكَتْ، فَقِيلَ لَهَا: يَا تُمَاضِرُ، مَا هَذَا، أَفَنَدٌ بِكِ, أَمْ جُنُونٌ؟ قَالَتْ: كُلٌّ لاَ، وَلَكِنَّ الدَّهْرَ لاَ يَجِدُ لِي مَزِيدًا.
36 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي, قَالَ: سَأَلْتُ هِلاَل الْوَزَّانَ فَقُلْتُ: كَمْ وَلَدُ الزُّبَيْرِ؟ فَقَالَ: أَتَانِي نَعِيُّ أَخِي مِنَ الْكُوفَةِ وَأَنَا بِالْمَدِينَةِ، فَمَرَرْتُ عَلَى الزُّبَيْرِ, فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَمَضَيْتُ، فَقَالَ عُرْوَةُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَعُودُنَا هَذَا، كَانَ إِذَا مَرَّ بِنَا يَجْلِسُ، فَيَا فُلاَنُ, لِبَعْضِ غِلْمَانِهِ, رُدَّهُ عَلَيَّ، قَالَ: فَلَحِقَنِي, فَرَدَّنِي، قَالَ: كُنْتَ إِذَا مَرَرْتَ بِنَا جَلَسْتَ، فَمَا بَالُكَ الْيَوْمَ؟ فَقُلْتُ: أَتَانِي نَعِيُّ أَخِي مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: كَانَ لِلزُّبَيْرِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ ذَكَرًا، مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَاتَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ وَلَدِهِ أَحَدٌ غَيْرِي، فَأَنَا آكُلُ أَطْيَبَ الطَّعَامَ، وَأَلْبَسُ أَلْيَنَ الثِّيَابِ.
36 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ غَنَّامٍ الْكِلاَبِيُّ، قَالَ: سمِعْتُ حَامِدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْبَكْرَاوِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَحْرٍ الْبَكْرَاوِيُّ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: خَرَجْنَا هَارِبِينَ مِنْ طَاعُونِ الْقَنْيَاتِ، فَنَزَلْنَا قَرِيبًا مِنْ سَنَامٍ، قَالَتْ: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ, مَعَهُ بَنُونَ لَهُ عَشَرَةٌ، فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنَّا مَعَ بَنِيهِ، فَلَمْ يَمْضِ إِلاَّ أَيَّامٌ, حَتَّى مَاتَ بَنُوهُ أَجْمَعُونَ، وَكَانَ يَجْلِسُ بَيْنَ قُبُورِهِمْ فَيَقُولُ:
بِنَفْسِي فِتْيَةٌ هَلَكُوا جَمِيعًا ... بِرَابِيَةٍ مُجَاوِرَةٍ سَنَامَا
أَقُولُ إِذَا ذَكَرْتُ الْعَهْدَ مِنْهُمْ ... بِنَفْسِي تِلْكَ أَصْدَاءً وَهَامَا
فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ هَلَكُوا جَمِيعًا ... وَلَمْ أَرَ مِثْلَ هَذَا الْعَامِ عَامَا
قَالَتْ: وَكَانَ يُبْكِي مَنْ سَمِعَهُ.

الصفحة 438