كتاب الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

37 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْخُزَاعِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيِّ، قَالَ: ذَكَرَ أَعْرَابِيٌّ قَوْمًا تَغَيَّرَتْ حَالُهُمْ، فَقَالَ: كَانُوا وَاللَّهِ فِي عَيْشٍ رَقِيقِ الْحَوَاشِي, فَطَوَاهُ الدَّهْرُ بَعْدَ سَعَةٍ، حَتَّى لَبِسُوا أَيْدِيَهُمْ مِنَ الْقُرِّ، وَلَمْ نَرَ وَاللَّهِ دَارًا أَغَرَّ مِنَ الدُّنْيَا، وَلاَ طَالِبًا أَغْشَمَ مِنَ الْمَوْتِ، وَمَنْ عَصَفَ عَلَيْهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ أَحْرَاهُ، وَمَنْ وُكِّلَ بِهِ الْمَوْتُ أَفْنَاهُ.
38- حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ: دَخَلَتْ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَلَى مُعَاوِيَةَ, فَقَالَ لَهَا: أَخْبِرِينِي عَنْ حَالِكُمْ، كَيْفَ كَانَتْ؟ قَالَتْ: أُطِيلُ أَمْ أُقْصِرُ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ قَصِّرِي، فَقَالَتْ: أَمْسَيْنَا مَسَاءً وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ أَحَدٌ إِلاَّ وَهُوَ يَرْغَبُ إِلَيْنَا، وَيَرْهَبُ مِنَّا، فَأَصْبَحْنَا صَبَاحًا وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ أَحَدٌ إِلاَّ وَنَحْنُ نَرْغَبُ إِلَيْهِ، وَنَرْهَبُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَتْ:
بَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ ... إِذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ
فَأُفٍ لِدُنْيَا لاَ يَدُومُ نَعِيمُهَا ... تُقَلِّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتُصَرِّفُ.
39 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي سُوَيْدٍ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ عُمَرَ, أَبُو خُشَيْنَةَ، قَالَ: مَرَّ زِيَادٌ بِالْحِيرَةِ, فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ فِي هَذَا الْقَصْرِ ابْنَةَ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ مَلِكِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: مِيلُوا إِلَى بَابِ الْقَصْرِ، فَدَنَا مِنْهُ, فَقَالَ: قُولُوا لَهَا فَلْتَدْنُ مِنَ الْبَابِ, فَدَنَتْ، فَقَالَ لَهَا زِيَادٌ: أَخْبِرِينِي عَنْ دَهْرِكُمْ، قَالَتْ: أُفَسِّرُ, أَوْ أُجْمِلُ؟ قَالَ: بَلْ أَجْمِلِي، قَالَتْ: فَإِنَّا أَصْبَحْنَا ذَا صَبَاحٍ وَمَا فِي الْعَرَبِ أَهْلُ بَيْتٍ أَغْبَطُ عِنْدَ النَّاسِ مِنَّا، فَمَا آبَتِ الشَّمْسُ حَتَّى رَحِمَنَا عَدُوُّنَا.

الصفحة 439