كتاب الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

52 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ وَقَفَ عَلَى قَبْرِ مُعَاوِيَةَ, وَعَلَيْهِ يَنْبُوتَةٌ تَهْتَزُّ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، عِشْرِينَ سَنَةً أَمِيرًا، وَعِشْرِينَ سَنَةً خَلِيفَةً، ثُمَّ صِرْتَ إِلَى هَذَا
هَلِ الدَّهْرُ وَالأَيَّامُ إِلاَّ كَمَا تَرَى ... رَزِيَّةُ مَالٍ أَوْ فِرَاقُ حَبِيبِ.
53 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ الْجُمَحِيِّ، أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ قِنَّسْرِينَ وَهُوَ قَافِلٌ، قَالَ: فَأَشَارَ لِي إِنْسَانٌ إِلَى قَبْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ, فَمَرَّ عَبَّادِيُّ, فَقَالَ: لِمَ وَقَفْتَ هَاهُنَا؟ فَقُلْتُ: أَنْظُرُ إِلَى قَبْرِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَدِمَ عَلَيْنَا مَكَّةَ فِي سُلْطَانٍ وَأَمْنٍ، ثُمَّ عَجِبْتُ إِلَى مَا رُدَّ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ خَبَرَهُ، لَعَلَّكَ تَرْهَبُ؟ قُلْتُ: وَمَا خَبَرُهُ؟ قَالَ: هَذَا مَلِكُ الأَرْضِ بَعَثَ إِلَيْهِ مَلِكُ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ, فَأَخْلَعَ رُوحَهُ، فَجَاءَ بِهِ أَهْلُهُ, فَجَعَلُوهُ هَاهُنَا، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَسَاكِينِ أَهْلِ دِمَشْقَ.
54 - قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْوَلِيدَ يَقُولُ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ خِلاًّ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَلَمَّا مَاتَ عَبْدُ الْمَلِكِ, وَتَصَدَّعَ النَّاسُ عَنْ قَبْرِهِ, وَقَفَ عَلَيْهِ, فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ عَبْدُ الْمَلِكِ الَّذِي كُنْتَ تَعِدُنِي, فَأَرْجُوكَ، وَتُوعِدُنِي فَأَخَافُكَ, أَصْبَحْتَ وَلَيْسَ مَعَكَ مِنْ مُلْكِكَ غَيْرُ ثَوْبَيْكَ، وَلَيْسَ لَكَ مِنْهُ غَيْرُ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعَيْنِ، ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى أَهْلِهِ, فَاجْتَهَدَ فِي الْعِبَادَةِ, حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ شَنٌّ بَالٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِهِ, فَعَاتَبَهُ فِي نَفْسِهِ وَإِضْرَارِهِ بِهَا، فَقَالَ لِقَائِلِهِ: أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ تَصْدُقُنِي عَنْهُ مَا بَلَغَهُ عِلْمُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَالِكَ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا، أَتَرْضَاهَا لِلْمَوْتِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لاَ، قَالَ: فَاعْتَزَمْتَ عَلَى النِّقَالِ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا؟ قَالَ: مَا أَشْجَعْتُ رَأْيِي فِي ذَلِكَ، قَالَ: أَفَتَأْمَنُ أَنْ يَأْتِيَكَ الْمَوْتُ عَلَى حَالِكَ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: اللَّهُمَّ [لاَ]، قَالَ: فَبَعْدَ الدَّارِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُعْتَمَلٌ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ وَلاَ، قَالَ: حَالٌ مَا أَقَامَ عَلَيْهَا عَاقِلٌ، ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى مُصَلاَّهُ.
- قَالَ أَبُو حَسَّانَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ الزُّهْرِيَّ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مِنَ الْمُعَاتِبُ لَهُ فِي نَفْسِهِ؟ قُلْتُ: لاَ، [قَالَ]: مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ.

الصفحة 445