كتاب الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

56 - وَحَدَّثَنَا أَبُو بَشِيرٍ الْعِجْلِيُّ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ اسْتَلْقَى عَلَى فِرَاشِهِ وَقَالَ:
اعْمَلْ عَلَى مَهَلٍ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ ... وَاكْدَحْ لِنَفْسِكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ
فَكَأَنَّ مَا قَدْ كَانَ لَمْ يَكُ إِذْ مَضَى ... وَكَأَنَّمَا هُوَ كَائِنٌ إِذْ كَانْ.
57 - حَدَّثَنِي الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ الْعَبْدِيِّ، قَالَ: أَتَانَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ, فَدَخَلَ عَلَيْنَا، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ يَا أَبَا بِشْرٍ؟ قَالَ: أَقْبَلْتُ مِنْ مَنْزِلٍ أَخُوضُ الْمَوَاعِظَ, حَتَّى صِرْتُ إِلَيْكُمْ، مَرَرْتُ بِدَارِ فُلاَنٍ, فَنَادَتْنِي: يَا صَالِحُ, خُذْ مَوْعِظَتَكَ مِنِّي، فَقَدْ نَزَلَنِي فُلاَنٌ فَارْتَحَلَ، وَنَزَلَنِي فُلاَنٌ فَارْتَحَلَ، وَنَزَلَنِي فُلاَنٌ فَارْتَحَلَ، وَمَرَرْتُ بِدَارِ فُلاَنٍ, فَنَادَتْنِي: يَا صَالِحُ, خُذْ مَوْعِظَتَكَ مِنِّي، نَزَلَنِي فُلاَنٌ فَارْتَحَلَ، وَنَزَلَنِي فُلاَنٌ فَارْتَحَلَ، فَجَعَلَ يُعَدِّدُ الدُّورَ دَارًا دَارًا، حَتَّى وَصَلَ إِلَيْنَا.
58 - حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْعُمَرِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى قَصْرٍ إِلَى جَانِبِ الْعَقِيقِ مَكْتُوبٌ:
كَمْ قَدْ تَوَارَثَ هَذَا الْقَصْرَ مِنْ مَلِكٍ ... فَمَاتَ وَالْوَارِثُ الْبَاقِي عَلَى الأَثَرِ.
59 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جُشَمَ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ, قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ صَالِحًا الْمُرِّيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ دَارَ الْمُورِيَانِيِّ وَهِيَ خَرَابٌ, فَقُلْتُ: يَا دَارُ, مَا فَعَلَ أَهْلُكِ؟ فَإِذَا أَنَا بِمُنَادٍ يُنَادِي مِنْ أَقْصَى الدَّارِ: قِفْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا صَالِحُ، هَذَا سَخَطُ مَخْلُوقٍ عَلَى مَخْلُوقٍ، فَكَيْفَ سَخَطُ الْخَالِقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ؟ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.

الصفحة 447