كتاب الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

وَقَالَ قَائِلٌ: قَدْ كُنْتَ عَلَى الْعَلْيَاءِ وَالرِّفْعَةِ حَرِيصًا، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ لِصَرْعَتِكَ، وَأَبْعَدُ لِغايَتِكَ فِي أَهْوِيَتِكَ، وَقَالَ قَائِلٌ: لَئِنْ كُنْتَ وَرَدْتَ عَلَيْنَا قَوِيًّا نَاطِقًا، لَقَدْ صَدَرْتَ عَنَّا ضَعِيفًا صَامِتًا، وَقَالَ قَائِلٌ: مَا سَافَرَ قَبْلَهَا بِلاَ زَادٍ وَلاَ أَعْوَانٍ، وَقَالَ قَائِلٌ: كُلُّنَا غَافِلٌ كَمَا غَفَلَ الإِسْكَنْدَرُ, حَتَّى نُلاَقِيَ مِثْلَ مَا لاَقَى، وَقَالَ قَائِلٌ: قَدِ انْتَقَصَكَ يَا إِسْكَنْدَرُ فِي وَجْهِكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَجْتَرِئُ أَنْ يَغْتَابَكَ مِنْ خَلْفِكَ، وَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ أَعْجَبَ الْعَجَبِ أَنَّ الْقَوِيَّ قَدْ غُلِبَ، وَأَنَّ الضُّعَفَاءَ لاَهُونَ مَغْرُورُونَ، وَقَالَ قَائِلٌ: هَيْهَاتَ, مَا صَدَّقَ هَذَا الْمَوْتَ النَّاسُ, لَوْلاَ كَذِبُ قَوْلِهِمْ، وَإِهَابُ مَا أَشَارَ بِنَعْيِهِمْ, لَوْلاَ صَمُّ آذَانِهِمْ، وَقَالَ قَائِلٌ: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَبْكِي بِجِدَةٍ مَا تَرَى مِنَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمَوْتَ لَمْ يَزَلْ جَدِيدًا، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَجْزَعُ مِنْ نُزُولِهِ بِمَنْ كَانَ لَهُ مُمِيلاً, فَلْيَكُنْ ذَلِكَ لَكَ وَاعِظًا، وَقَالَ قَائِلٌ: أَجَاهِلٌ كُنْتَ بِالْمَوْتِ فَنَعْذُرَكَ، أَمْ عَالِمٌ كُنْتَ بِهِ فَنَلُومَكَ؟

الصفحة 455