كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل
قَالَ: فَمَا قَالَ الْحَسَنُ؟ قُلْتُ: قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى نَدِمَ عَلَى مَقَالَتِهِ تِلْكَ، قَالَ يَزِيدُ: مَا نَدِمْتُ عَلَيْهَا وَايْمِ اللَّهِ، لَقَدْ قُمْتُ مَقَامًا أَخْطَرَ عَلَى نَفْسِي، ثُمَّ قَالَ يَزِيدُ: أَتَيْتُ الْحَسَنَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ, [غُلِبْنَا] (1) عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَى صَلاَتِنَا نُغْلَبَ، قَالَ جَعْفَرٌ: يَعْنِي فِتْنَةَ الْحَجَّاجِ، قَالَ: يَقُولُ الْحَسَنُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا، إِنَّمَا تُعَرِّضُ نَفْسَكَ لَهُمْ، قَالَ: فَقُمْتُ وَالْحَكَمُ بْنُ أَيُّوبَ, ابْنُ عَمِّ الْحَجَّاجِ يَخْطُبُ، فَقُلْتُ: الصَّلاَةَ رَحِمَكَ اللَّهُ، قَالَ: فَجَاءَتْنِي الزَّبَانِيَةُ, فَسَعَوْا إِلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَأَخَذُوا تَلْبِيبَتِي, وَأَخَذُوا بِلِحْيَتِي وَيَدِي وَكُلِّ شَيْءٍ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونِي بِنِعَالِ نُفُوسِهِمْ، قَالَ: وَسَكَتَ الْحَكَمُ بْنُ أَيُّوبَ، وَكِدْتُ أَنْ أُقْتَلَ دُونَهُ، قَالَ: فَمَشَوْا بِي إِلَيْهِ, حَتَّى إِذَا بَلَغُوا بَابَ الْمَقْصُورَةِ فَتْحَ، فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَمَجْنُونٌ أَنْتَ؟ فَقُلْتَ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، مَا بِي مِنْ جُنُونٍ، ضَبَّةَ قَامَ فَتَكَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ، قَدْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ الْعُدُولُ عِنْدِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ،
_حاشية__________
(1) قوله: "غلبنا" سقط من طبعة دار أطلس.
قَالَ: أَوَ مَا كُنَّا فِي صَلاَةٍ؟ قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، هَلْ كِتَابٌ أَفْضَلُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا نَشَرَ مُصْحَفَهُ, فَقَرَأَهُ غُدْوَةً حَتَّى يُمْسِيَ, وَلاَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، كَانَ ذَلِكَ قَاضِيًا عَنْهُ صَلاَتَهُ؟ قَالَ: فَقَالَ الْحَكَمُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسَبَنَّكَ مَجْنُونًا، قَالَ: وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ جَالِسٌ قَرِيب مِنَ الْمِنْبَرِ, عَلَى وَجْهِهِ خِرْقَةٌ خَضْرَاءُ, قَالَ: قُلْتُ: يَا أَنَسُ، يَا أَبَا حَمْزَةَ، أُذَكِّرُكَ اللَّهَ, فَإِنَّكَ قَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَدَمْتَهُ، الْحَقَّ قُلْتُ أَمِ بِبَاطِلٍ؟ قَالَ: فَلاَ وَاللَّهِ مَا أَجَابَنِي بِكَلِمَةٍ، قَالَ: يَقُولُ لَهُ الْحَكَمُ: يَا أَنَسُ، قَالَ: لَبَّيْكَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ فَاتَ مِيقَاتُ الصَّلاَةِ، قَالَ: يَقُولُ أَنَسٌ: قَدْ كَانَ بَقِيَ مِنَ الشَّمْسِ بَقِيَّةٌ، قَالَ: احْبِسَاهُ، قَالَ: فَحُبِسَتْ، فَذَهَبَ بِي إِلَى الشَّمْسِ، قَالَ: فَشَهِدُوا أَنِّي مَجْنُونٌ, قَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّمَا نَجَا مِنَ الْقَتْلِ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ الْحَكَمُ إِلَى الْحَجَّاجِ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي
قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ: إِنْ كَانَتْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ الْعُدُولُ عِنْدَكَ أَنَّهُ مَجْنُونٌ, فَخَلِّ سَبِيلَهُ، وَإِلَّا فَاقْطَعْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَلِسَانَهُ, قَالَ جَعْفَرٌ: وَاحْبِسْهُ، وَاسْمُرْ عَيْنَهُ، قَالَ: فَخَلَّى سَبِيلِي، قَالَ يَزِيدُ: وَمَاتَ أَخٌ لَنَا, فَتَبِعْتُ جَنَازَتَهُ, فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ, ثُمَّ دُفِنَ, فَكُنْتُ فِي نَاحِيَةٍ مَعَ إِخْوَانِي نَذْكُرُ اللَّهَ، إِذْ طَلَعَ الْحَكَمُ بْنُ أَيُّوبَ عَلَيْنَا فِي خَيْلِهِ، قَالَ: فَقَصَدَ قَصْدَنَا، فَلَمَّا رَآهُ النَّاسُ, هَرَبَ جُلَسَائِي وَبَقِيَتُ وَحْدِي، قَالَ: فَجَاءَ قَاصِدًا, حَتَّى وَقَفَ عَلَيَّ، قَالَ: وَأَنَا وَحْدِي، قَالَ: مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، أَخٌ لَنَا مَاتَ فَدُفِنَ، فَقَعَدْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ، وَنَذْكُرُ مَعَادَنَا، وَنَذْكُرُ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَهَلَّا فَرَرْتَ كَمَا فَرُّوا، قُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، مَا يُفِرِّنِي مِنْكَ، أَنَا أَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ سَاحَةً، وَآمَنُ لِلأَمِيرِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمُهَلَّبِ, وَهُوَ صَاحِبُ شُرْطَتِهِ وَحَرْبَتُهُ بِيَدِهِ وَاقِفًا بَيْنَ يَدَيْهِ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، أَمَا تَعْرِفُ هَذَا؟ قَالَ: وَمَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْمُتَكَلِّمُ الَّذِي كَلَّمَكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: فَقَالَ الْحَكَمُ: وَأَيْضًا إِنَّكَ عَلَيَّ لَجَرِيءٌ، خُذَاهُ، قَالَ: فَأُخِذْتُ, فَضُرِبْتُ أَرْبَعَ مِائَةٍ وَهُوَ وَاقِفٌ, حَتَّى مَا دَرَيْتُ حِينَ ضَرَبَنِي وَحِينَ تَرَكَنِي، قَالَ: ثُمَّ بُعِثَ بِي إِلَى وَاسِطٍ، فَكُنْتُ فِي الدِّيمَاسِ, حَتَّى تَلِفَ الْحَجَّاجُ.
الصفحة 474