كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

أَمَّا مُلُوكُهُمْ فَكَفَرُوا نِعْمَتِي، وَأَمَّا خِيَارُهُمْ فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا عَرَفُوا مِنْ حِكْمَتِي، خَزَنُوا الْمُنْكَرَ فِي صُدُورِهِمْ، وَعَوَّدُوا الْكَذِبَ أَلْسِنَتَهُمْ، فَبِعِزَّتِي وَجَلاَلِي لَأُهَيِّجَنَّ عَلَيْهِمْ جُنُودًا لاَ يَعْرِفُونَ وُجُوهَهُمْ، وَلاَ يَفْقَهُونَ أَلْسِنَتَهُمْ، وَلاَ يَرْحَمُونَ بُكَاءً لَهُمْ، أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ مَلِكًا جَبَّارًا قَاسِيًا, لَهُ جُنُودٌ كَقِطَعِ السَّحَابِ، كَأَنَّ حَمْلَ فُرْسَانِهِ كَرُّ الْعِقْبَانِ، وَكَأَنَّ خَفْقَ رَايِاتِهِ أَجْنِحَةُ النُّسُورِ، فَيَدَعُونَ الْعُمْرَانَ خَرَابًا، وَالْقُرَى وَحْشًا، فَوَيْلٌ لِأَهْلِ إِيلِيَاءَ وَسُكَّانِهَا، كَيْفَ أُسَلِّطُ عَلَيْهِمُ السِّبَايَةَ, وَأُذِلُّهُمْ بِالْقَتْلِ، لَأُبَدِّلَنَّهُمْ بَعْدَ لَجْبِ الأَعْرَاضِ صُرَاخَ الْهَامِ، وَلَأُبَدِّلَنَّهُمُ بَعْدَ الْعِزِّ الذُّلَّ، وَبَعْدَ الشِّبَعِ الْجُوعَ، وَلَأَجْعَلَنَّ لُحُومَهُمْ زَحَلًا لِلأَرْضِ، وَعِظَامَهُمْ ضَاحِيَةً لِلشَّمْسِ،
فَقَالَ ذَلِكَ النَّبِيُّ: أَيْ رَبِّ، إِنَّكَ لَمُهْلِكٌ هَذِهِ الْأُمَّةَ، وَمَخَرِّبٌ هَذِهِ الْمَدِينَةَ، وَهُمْ وَلَدُ خَلِيلِكَ إِبْرَاهِيمَ، وَأُمَّةُ صَفِيِّكَ مُوسَى، وَقَوْمُ نَبِيِّكَ دَاوُدَ، فَأَيُّ أُمَّةٍ تَأْمَنُ مَكْرَكَ بَعْدَ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ وَأَيُّ مَدِينَةٍ تَجْتَرِئُ عَلَيْكَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنِّي إِنَّمَا أَكْرَمْتُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَدَاوُدَ بِطَاعَتِي، وَلَوْ عَصَوْنِي لَأَنْزَلْتُهُمْ مَنَازِلَ الْعَاصِينَ, إِنَّ الْقُرُونَ قَبْلَكَ كَانُوا يَسْتَخِفُّونَ بِمَعْصِيَتِي, حَتَّى كَانَ الْقَرْنُ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، فَأَظْهَرُوا مَعْصِيَتِي فَوْقَ رُؤُوسِ الْجِبَالِ، وَتَحْتَ ظِلاَلِ الشَّجَرِ، وَفِي بُطُونِ الأَوْدِيَةِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ, أَمَرْتُ السَّمَاءَ, فَكَانَتْ طَبَقًا مِنْ حَدِيدٍ، وَأَمَرْتُ الأَرْضَ, فَكَانَتْ صَفْحَةً مِنْ نُحَاسٍ، فَلاَ سَمَاءَ تُمْطِرُ، وَلاَ أَرْضَ تُنْبِتُ، فَإِنْ أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ سَلَّطْتُ عَلَيْهِ الْجَرَادَ، وَالْجَنَادِبَ، وَالصَّرَاصِرَ، فَإِنْ حَصَدُوا مِنْهُ شَيْئًا فِي خِلاَلِ ذَلِكَ فَأَوْدَعُوهُ بُيُوتَهُمْ، نُزِعَتْ بَرَكَتُهُ، ثُمَّ يَدْعُونَ فَلاَ أَسْتَجِيبُ لَهُمْ.
67 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ: ذُكِرَ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَعْظَمَتْ أُمَّتِي الدُّنْيَا, نُزِعَتْ مِنْهَا هَيْبَةُ الْإِسْلاَمِ، وَإِذَا تَرَكْتِ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ, حُرِمَتْ بَرَكَةَ الْوَحْيِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ سُئِلَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: النُّصْحُ لِلَّهِ، قِيلَ: فَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: جُهْدُهُ إِذَا نَصَحَ أَنْ لاَ يَأْمُرَ وَلاَ يَنْهَى.

الصفحة 484