كتاب الأولياء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

56 - حدثني عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ يَحْيَى، قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي, وَأَنَا أُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَإِذَا أَنَا بِشَيْخٍ طَوِيلٍ آدَمَ أَحْلَجَ، فَقَالَ لِي: عَلَيْكَ بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، مَنْ أَوْفَى أُوفِيَ لَهُ، وَمَنْ أَكْثَرَ أُكْثِرَ لَهُ، وَمَنْ قَلَّلَ قُلِّلَ لَهُ، قُلْتُ: أَوْصِنِي، قَالَ: عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ، وَعَلَيْكَ بِقِلَّةِ الطَّعَامِ، وَإِيَّاكَ وَالْكِبْرَ، وَاجْتَنِبِ الْبُخْلَ, وَالشُّحَّ يَزُرْكَ الصِّدِّيقُونَ، وَتُلْهَمِ الْحِكْمَةَ، وَتُعْطَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَيُصْرَفْ عَنْكَ السُّوءُ كُلُّهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهَ ثَوَابًا وَعِقَابًا، فَمَنْ آمَنَ بِهَا وَصَدَّقَ لَمْ تَقَرَّ عَيْنُهُ بِالدُّنْيَا، قَالَ مَكْحُولٌ: فَرُبَّمَا ذَكَرَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ هَذَا الْحَدِيثَ فَبَكَى.
57 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ رَبَاحُ بْنُ الْجَرَّاحِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ: خَرَجْنَا حُجَّاجًا، فَأُرِدْنَا غَسْلَ ثِيَابَنَا بِمَكَّةَ, فَأُرْشِدْنَا إِلَى رَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ, يَغْسِلُ لِلنَّاسِ, وَيَتَّجِرُ عَلَى الضُّعَفَاءِ, فَيَغْسِلُ ثِيَابِهِمْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، فَأَتَيْنَاهُ, فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ قُلْنَا: مِنْ أَهْلِ الْمَوْصِلِ، قَالَ: أَتَعْرِفُونَ فَتْحًا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: مَا فَعَلَ؟ قُلْنَا: مَاتَ، فَتَوَجَّعَ عَلَيْهِ وَأَظْهَرَ حُزْنًا، فَقُلْنَا: كَيْفَ تَعْرِفُهُ, وَأَنْتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ وَهُوَ بِالْمَوْصِلِ؟ قَالَ: أُرِيتُ فِي مَنَامِي عِدَّةَ لَيَالِي أَنِ ائْتِ فَتْحًا الْمَوْصِلِيَّ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَخَرَجْتُ مِنْ فَارِسَ, حَتَّى أَتَيْتُ الْمَوْصِلَ, فَسَأَلْتُ عَنْهُ, فَقِيلَ لِي: هُوَ عَلَى الشَّطِّ، فَأَتَيْتُهُ, فَإِذَا رَجُلٌ مُلْتَفٌّ بِكِسَائِهِ، قَدْ أَلْقَى شِصًّا لَهُ فِي الْمَاءِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ, فَرَدَّ عَلَيَّ، وَقُلْتُ لَهُ: أَتَيْتُكَ زَائِرًا، قَالَ: فَلَفَّ الشِّصَّ وَقَامَ, فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ, فَأَذَّنَ لِلْمَغْرِبِ، فَصَلَّيْنَا, وَتَفَرَّقَ النَّاسُ، [فَأَتَى بِطَعَامٍ, فَأَكَلْنَا، ثُمَّ نُودِيَ بِالْعِشَاءِ الآخِرَةِ, فَصَلَّيْنَا, وَتَفَرَّقَ النَّاسُ]، فَقَامَ فَتْحٌ فِي صَلاَتِهِ، وَرَمَيْتُ بِنَفْسِي، فَإِذَا رَجُلٌ قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا الْمَسْجِدَ, فَسَلَّمَ وَصَلَّى إِلَى جَنْبِ فَتْحٍ رَكْعَتَيْنِ وَقَعَدَ، فَقَطَعَ فَتْحٌ صَلاَتَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَسَاءَلَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَتَى عَهْدُكَ بِأَبِي السَّرِيِّ؟ قَالَ: مَا لِي بِهِ عَهْدٌ مُنْذُ أَيَّامٍ، قَالَ: فَقُمْ بِنَا إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مُعْتَلٌّ، قَالَ: فَخَرَجْنَا مِنَ الْمَسْجِدِ, وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا, حَتَّى مَضَيْنَا إِلَى دِجْلَةَ يَمْشِيَانِ عَلَى الْمَاءِ، فَقَعَدْتُ أَنْتَظِرُ رُجُوعِهِمَا، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِذَا هُوَ فَتْحٌ، قُمْتُ, فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ, وَرَمَيْتُ نَفْسِي, كَأَنِّي نَائِمٌ، فَلَمَّا أَسْفَرَ الصُّبْحُ وَصَلَّيْنَا الْفَجْرُ, وَتَفَرَّقَ النَّاسُ, قُمْتُ إِلَيْهِ, فَسَأَلْتُهُ, فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، قَدْ قَضَيْتُ مِنْ زِيَارَتِكَ وَطَرًا, وَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ الَّذِي أَتَاكَ الْبَارِحَةَ وَمَا كَانَ مِنْكُمَا، فَجَعَلَ يُعَارِضُنِي, فَلَمَّا عَلِمَ أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ الْخَبَرَ, أَخَذَ عَلَيَّ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثيق أَلاَّ أُعْلِمَ بِذاِكَ أَحَدًا مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ حَيٌّ، وَقَالَ لِي: ذَاكَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ, وَأَبُو السَّرِيِّ حَمْزَةُ الْخَوْلاَنِيُّ وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَيْهَا، وَقَالَ: اجْعَلْ طَرِيقَكَ عَلَيْهِ، فَالْقَهُ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَأَتَيْتُ الْجِسْرَ, فَمَضَيْتُ عَلَيْهِ، وَأَتَيْتُ أَبَا السَّرِيِّ, فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ.

الصفحة 617