كتاب الأولياء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

81 - [حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قال: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، قال: حدثنا] أَبُو الْهَيْثَمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ غَالِبٍ, أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الْجَزِيرَةِ، فَرَكِبْنَا السَّفِينَةَ, فَأَرْفَتْ بِنَا إِلَى جَانِبِ قَرْيَةٍ عَادِيَّةٍ فِي سَفْحِ جَبَلٍ خَرَابٍ, لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، قَالَ: فَخَرَجْتُ, فَطَوَّفْتُ فِي ذَلِكَ الْخَرَابِ, أَتَأَمَّلُ آثَارَهُمْ وَمَا كَانُوا فِيهِ، قَالَ: إِذْ دَخَلْتُ بَيْتًا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَأْهُولاً، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ لِهَذَا شَأْنًا، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي, فَقُلْتُ: إِنَّ لِيَ إِلَيْكُمْ حَاجَةً، فَقَالُوا: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: تُقِيمُونَ عَلَيَّ لَيْلَةً، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَدَخَلْتُ ذَلِكَ الْبَيْتَ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُنَ لَهُ أَهْلٌ فَسَيَئُوبُ إِلَيْهِ إِذَا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، فَلَمَّا أَظْلَمَ اللَّيْلُ, سَمِعْتُ صَوْتًا قَدِ انْحَطَّ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ, يُسَبِّحُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ, وَيُكَبِّرُهُ, وَيَحْمَدُهُ، فَلَمْ يَزَلِ الصَّوْتُ يَدْنُو بِذَلِكَ, حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ شَيْئًا, إِلاَّ جَرَّةً لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، وَوِعَاءً لَيْسَ فِيهِ طَعَامٌ، فَصَلَّى مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُصَلِّيَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى ذَلِكَ الْوِعَاءِ، فَأَكَلَ مِنْهُ طَعَامًا، ثُمَّ حَمِدَ اللهَ، ثُمَّ أَتَى تِلْكَ الْجَرَّةَ, فَشَرِبَ مِنْهَا شَرَابًا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى حَتَّى أَصْبَحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَقَامَ الصَّلاَةَ, فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللهُ، دَخَلْتَ بَيْتِي بِغَيْرِ إِذْنِي، قَالَ: قُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، لَمْ أُرِدْ إِلاَّ الْخَيْرَ، قُلْتُ: رَأَيْتُكَ أَتَيْتَ هَذَا الْوِعَاءَ, فَأَكَلْتَ مِنْهُ طَعَامًا، وَقَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ, فَلَمْ أَرْ فِيهِ شَيْئًا، قَالَ: أَجَلْ، مَا مِنْ طَعَامٍ أُرِيدُ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ, إِلاَّ أَكَلْتُهُ مِنْ هَذَا الْوِعَاءِ، وَلاَ شَرَابًا أُرِيدُهُ مِنْ شَرَابِ النَّاسِ, إِلاَّ شَرِبْتُهُ مِنْ هَذِهِ الْجَرَّةِ، قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ أَرَدْتَ السَّمَكَ الطَّرِيَّ؟ قَالَ: وَإِنْ أَرَدْتُ السَّمَكَ الطَّرِيَّ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ لَمْ تُؤْمَرْ بِالَّذِي صَنَعْتَ، أُمِرَتْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْمَسَاجِدِ، لِتَفْضيِلِ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى, وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، قَالَ: هَاهُنَا قَرْيَةٌ فِيهَا كُلُّ مَا ذَكَرْتَ، وَأَنَا صَائِرٌ إِلَيْهَا، قَالَ: فَكَاتَبَنِي حِينًا, ثُمَّ انْقَطَعَ كِتَابُهُ, فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَاتَ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ غَالِبٍ لَمَّا مَاتَ وُجِدَ مِنْ قَبْرِهِ رِيحُ الْمِسْكِ.

الصفحة 627