كتاب الأولياء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

89 - حدثني أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، قال: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيَاضٍ الْقُرَشِيُّ، قال: حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَامِلٍ الْقَرْقَسَانِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا عُلْوَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ طَاوُوسٌ: بَيْنَا أَنَا بِمَكَّةَ، بَعَثَ إِلَيَّ الْحَجَّاجُ, فَأَجْلَسَنِي إِلَى جَنْبِهِ، وَأَتْكَأَنِي عَلَى وِسَادَةٍ، إِذْ سَمِعَ مُلَبِّيًا يُلَبِّي حَوْلَ الْبَيْتِ رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِالرَّجُلِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: مِمَّنِ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: لَيْسَ عَنِ الإِسْلاَمِ سَأَلْتُ، قَالَ: فَعَمَّا سَأَلْتَ؟ قَالَ: سَأَلْتُكَ عَنِ الْبَلَدِ، قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، قَالَ: كَيْفَ تَرَكْتَ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ؟ يُرِيدُ أَخَاهُ, قَالَ: تَرَكْتُهُ عَظِيمًا، جَسِيمًا، لَبَّاسًا، رَكَّابًا، خَرَّاجًا، وَلاَّجًا، قَالَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا سَأَلْتُكَ، قَالَ: فَعَمَّا [سَأَلْتَ]؟ قَالَ: سَأَلْتُكَ عَنْ سِيرَتِهِ، قَالَ: تَرَكْتُهُ ظَلُومًا، غَشُومًا، مُطِيعًا لِلْمَخْلُوقِ، عَاصِيًا لِلْخَالِقِ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَتَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلاَمِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ مَكَانَهُ مِنِّي؟ قَالَ الرَّجُلُ: أَتُرَاهُ بِمَكَانَةٍ مِنْكَ أَعَزَّ مِنِّي بِمَكَانِي مِنَ اللهِ وَأَنَا وَافِدُ بَيْتِهِ، وَمُصَدِّقُ نَبِيِّهِ عليه السلام، وَقَاضِي دِينِهِ، فَسَكَتَ الْحَجَّاجُ, فَمَا أَحَارَ إِلَيْهِ جَوَابًا، وَقَامَ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ, فَانْصَرَفَ، قَالَ طَاوُوسٌ: فَقُمْتُ فِي أَثَرِهِ, وَقُلْتُ: الرَّجُلُ حَكِيمٌ، فَأَتَى الْبَيْتَ, فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِهِ فَقَالَ: اللهُمَّ بِكَ أَعُوذُ، وَبِكَ أَلُوذُ، اللهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي اللهَفِ إِلَى جُودِكَ، وَالرِّضَا بِضَمَانِكَ مَنْدُوحَةً عَنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ، وَغِنًى عَمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ، اللهُمَّ فَرَجَكَ الْقَرِيبَ، وَمَعْرُوفَكَ الْقَدِيمَ، وَعَادَتِكَ الْحَسَنَةَ، ثُمَّ ذَهَبَ فِي النَّاسِ، فَرَأَيْتُهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ لَمْ تَقْبَلْ حَجَّتِي، وَتَعَبِي، وَنَصَبِي، فَلاَ تَحْرِمْنِي الأَجْرَ عَلَى مُصِيبَتِي بِتَرْكِ الْقَبُولَ مِنِّي، ثُمَّ ذَهَبَ فِي النَّاسِ، فَرَأَيْتُهُ غَدَاةَ جَمْعٍ يَقُولُ: وَاسَوْأَتَاهُ مِنْكَ، وَاللهِ وَإِنْ عَفَوْتَ، يُرَدِّدُ ذَلِكَ.

الصفحة 631