كتاب الأولياء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

102 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قال: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ عُثْمَانَ الْحَلَبِيُّ، قال: حَدَّثَنِي حُصَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْوَزَّانُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ فِي طَلَبِ الْعُبَّادِ، فَجَعَلْتُ أَجِدُ الرَّجُلَ بَعْدَ الرَّجُلِ شَدِيدَ الاِجْتِهَادِ، حَتَّى قَالَ لِي رَجُلٌ: قَدْ كَانَ هَا هُنَا رَجُلٌ مِنَ النَّحْوِ الَّذِي تُرِيدُ، وَلَكِنَّا فَقَدْنَا مِنْ عَقْلِهِ، فَلاَ نَدْرِي يُرِيدُ أَنْ يَحْتَجِزَ مِنَ النَّاسِ بِذَلِكَ، أَوْ هُوَ شَيْءٌ أَصَابَهُ؟ قُلْتُ: وَمَا أَنْكَرْتُمْ مِنْهُ؟ قَالَ: إِذَا كَلَّمَهُ أَحَدٌ قَالَ: الْوَلِيدُ وَعَاتِكَةُ، لاَ يَزِيدُهُ عَلَيْهِ، قَالَ: قُلْتُ: فَكَيْفَ لِي بِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ مَدْرَجَتُهُ, قَالَ: فَانْتَظَرْتُهُ, فَإِذَا بِرَجُلٍ وَالِهٍ, كَرِيهِ الْمَنْظَرِ، كَرِيهِ الْوَجْهِ، وَافِرِ الشَّعْرِ، مُتَغَيرِ اللَّوْنِ، وَإِذَا الصِّبْيَانُ حَوْلَهُ وَخَلْفَهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ يَمْشِي، وَهُمْ خَلْفَهُ سُكُوتٌ يَمْشُونَ، عَلَيْهِ أَطْمَارٌ لَهُ دَنِسَةٌ، قَالَ: فَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ, فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ, فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللهُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَكَ، فَقَالَ: الْوَلِيدُ وَعَاتِكَةُ، فَقُلْتُ: قَدْ أُخْبِرْتُ بِقِصَّتِكَ، فَقَالَ: الْوَلِيدُ وَعَاتِكَةُ، ثُمَّ مَضَى, حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ, وَرَجَعَ الصِّبْيَانُ الَّذِينَ كَانُوا يَتَّبِعُونَهُ، فَاعْتَزَلَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَرَكَعَ, فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ سَجَدَ, فَأَطَالَ السُّجُودَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: رَجُلٌ غَرِيبٌ, يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَكَ, وَيَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَطِلْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَقْصِرْ، فَلَسْتُ بِبَارِحٍ, أَوْ تُكَلِّمَنِي، قَالَ: وَهُوَ فِي سُجُودِهِ يَدْعُو وَيَتَضَرَّعُ، قَالَ: فَفَهِمْتُ عَنْهُ وَهُوَ سَاجِدٌ, وَهُوَ يَقُولُ: سَتْرُكَ سَتْرُكَ، قَالَ: فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى سَئِمْتُ، قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ, فَلَمْ أَسْمَعْ لَهُ نَفَسًا وَلاَ حَرَكَةً، قَالَ: فَحَرَّكْتُهُ, فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ, كَأَنَّهُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ دَهْرٍ طَوِيلٍ، فَخَرَجْتَ إِلَى صَاحِبِي الَّذِي دَلَّنِي عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: تَعَالَ فَانْظُرْ إِلَى الَّذِي زَعَمْتَ أَنَّكَ أَنْكَرْتَ مِنْ عَقْلِهِ، قَالَ: وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ مِنْ قِصَّتِهِ، قَالَ: فَهَيَّأْنَاهُ وَدَفَنَّاهُ.

الصفحة 636