كتاب الأولياء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل
103 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلاَءِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَدِ اعْتَزَلَ النَّاسَ فِي كَهْفِ جَبَلٍ، فَكَانَ أَهْلُ زَمَانِهِ إِذَا قَحَطُوا اسْتَغَاثُوا بِهِ, فَدَعَا اللهَ فَسَقَاهُمْ، قَالَ: فَأَتَوْهُ فِي بَعْضِ أَمْرِهِمْ, فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَبِيَدِهِ عُودٌ يُقَلِّبَ بِهِ جَمَاجِمَ الْمَوْتَى وَعِظَامَهُمْ، فَجَلَسُوا يَنْتَظِرُونَهُ, وَكَرِهُوا أَنْ يُعَجِّلُوهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ، ثُمَّ خَلَوْا بِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ, إِذْ صَرَخَ صَرْخَةً وَسَقَطَ، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ, فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ، قَالَ: فَأَكْبَرُوا ذَلِكَ، وَحُشِدَ عَلَيْهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ, وَأَخَذُوا فِي جِهَازِهِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ, إِذْ هُوَ بِسَرِيرٍ يُرَفْرِفُ فِي عَنَانِ السَّمَاءِ, حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ, فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَصَّهُ بِهِ بِمَا رَأَيْتُهُ، فَأَخَذَهُ, فَوَضَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَارْتَفَعَ السَّرِيرُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فِي الْهَوَاءِ, حَتَّى غَابَ عَنْهُمْ، فَقَالَ بَعْضُ أَحْبَارِهِمْ: سُبْحَانَكَ، مَا أَكْرَمَ الْمُؤْمِنَ عَلَيْكَ.
104 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَاتِمٍ الأَزْدِيُّ، قال: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ السَّائِحِ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، وَغَيْرُهُ, يَزِيدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ كَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْعَابِدِينَ، فَفَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ، يَقُومُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ, فَلاَ يَزَالُ قَائِمًا إِلَى الْعَصْرِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَقَدِ انْتَفَخَتْ سَاقَاهُ وَقَدَمَاهُ، فَيَقُولُ: يَا نَفْس، إِنَّمَا خُلِقْتِ لِلْعِبَادَةِ, يَا أَمَّارَةً بِالسُّوءِ، فَوَاللهِ لأَعْمَلَنَّ بِكَ عَمَلاً لاَ يَأْخُذُ الْفِرَاشُ مِنْكِ نَصِيبًا، قَالَ: وَهَبَطَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ: وَادِي السِّبَاعِ، وَفِي الْوَادِي عَابِدٌ حَبَشِيٌّ, يُقَالُ لَهُ: حُمَمَةُ، فَانْفَرَدَ عَامِرٌ فِي نَاحِيَةٍ, وَحُمَمَةُ فِي نَاحِيَةٍ يُصَلِّيَانِ، لاَ هَذَا يَنْصَرِفُ إِلَى هَذَا، وَلاَ هَذَا إِلَى هَذَا يَنْصَرِفُ، أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، إِذَا جَاءَتِ الْفَرِيضَةُ صَلَّيَا, ثُمَّ أَقْبَلاَ يَتَطَوَّعَانِ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَامِرٌ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَجَاءَ إِلَى حُمَمَةَ, فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللهُ، قَالَ: دَعْنِي وَهَمِّي، قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ، قَالَ: أَنَا حُمَمَةُ, قَالَ عَامِرٌ: لَئِنْ كُنْتَ أَنْتَ حُمَمَةُ الَّذِي ذُكِرَ لِي, لأَنْتَ أَعْبَدُ مَنْ فِي الأَرْضِ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَفْضَلِ خَصْلَةٍ، قَالَ: إِنِّي لَمُقَصِّرٌ، وَلَوْلاَ مَوَاقِيتُ الصَّلاَةِ تَقْطَعُ عَلَيَّ الْقِيَامَ وَالسُّجُودَ, لأَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَ عُمُرِي رَاكِعًا، وَوَجْهِي مَفْرَشًا حَتَّى أَلْقَاهُ، وَلَكِنَّ الْفَرَائِضَ لاَ تَدَعُنِي أَفْعَلُ ذَلِكَ، فَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللهُ؟ قَالَ: أَنَا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ, قَالَ: إِنْ كُنْتَ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ الَّذِي ذُكِرَ لِي, فَأَنْتُ أَعْبَدُ النَّاسِ، فَأَخْبِرْنِي بِأَفْضَلِ خَصْلَةٍ، قَالَ: إِنِّي لَمُقَصِّرٌ، وَلَكِنْ وَاحِدَةٌ عَظَّمْتُ هَيْبَةَ اللهِ فِي صَدْرِي, حَتَّى مَا أَهَابُ شَيْئًا غَيْرَهُ، فَاكْتَنَفَتْهُ السِّبَاعُ، فَأَتَاهُ سَبُعٌ مِنْهَا, فَوَثَبَ عَلَيْهِ مِنْ خَلْفِهِ, فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَامِرٌ يَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} فَلَمَّا رَأَى السَّبُعُ أَنَّهُ لاَ يَكْتَرِثُ لَهُ ذَهَبَ، فَقَالَ حُمَمَةُ: بِاللهِ يَا عَامِرُ أَمَا هَالَكَ مَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: إِنِّي لأَسْتَحِي مِنَ اللهِ أَنْ أَهَابَ شَيْئًا غَيْرَهُ، قَالَ حُمَمَةُ: لَوْلاَ أَنَّ اللهَ عز وجل ابْتَلاَنَا بِالْبَطْنِ, فَإِذَا أَكَلْنَا لاَ بُدَّ لَنَا مِنَ الْحَدَثِ مَا رَآنِي رَبِّي عز وجل إِلاَّ رَاكِعًا وَسَاجِدًا، وَكَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ثَمَانِمِئَةِ رَكْعَةٍ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنِّي لَمُقَصِّرٌ فِي الْعِبَادَةِ، وَكَانَ يُعَاتِبُ نَفْسَهُ.
الصفحة 637
655