كتاب الأولياء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

ارْكَبْ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ أَضْعَفُ مِنِّي, فَارْكَبْ أَنْتَ، قَالَ: فَلَمْ يُرَادَّنِي الْكَلاَمَ وَرَكِبَ، فَكُنْتُ أَمْشِي مَعَ حِمَارِهِ، فَحَيْثُ أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ أَقَامَ، فَإِنَّمَا هُوَ رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ، حَتَّى أَتَيْنَا عُسْفَانَ, فَلَقِيَهُ شَيْخٌ, فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَلَّيَا, فَجَعَلاَ يَبْكِيَانِ، فَلَمَّا أَرَادَا أَنْ يَفْتَرِقَا, قَالَ صَاحِبِي لِلشَّيْخِ: أَوْصِنِي، قَالَ: نَعَمْ، أَلْزِمِ التَّقْوَى قَلْبَكَ، وَانْصُبْ ذِكْرَ الْمَعَادِ أَمَامَكَ، قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: نَعَمْ، اسْتَقْبِلِ الآخِرَةَ بِالْحَسَنِ مِنْ عَمَلِكَ، وَبَاشِرْ عَوَارِضَ الدُّنْيَا بِالزُّهْدِ مِنْ قَلْبِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأَكْيَاسَ هُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا عَيْبَ الدُّنْيَا حِينَ عَمِيَ عَلَى أَهْلِهَا، وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، قَالَ: ثُمَّ افْتَرَقَا، فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: مَنْ هَذَا الشَّيْخُ رَحِمَكَ اللهُ؟ فَمَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ كَلاَمًا مِنْهُ؟ قَالَ: عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللهِ، قَالَ: فَخَرَجْنَا مِنْ عُسْفَانَ, حَتَّى أَتَيْنَا مَكَّةَ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الأَبْطَحِ, نَزَلَ عَنْ حِمَارِهِ, وَقَالَ لِي: اثْبُتْ مَكَانَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى بَيْتِ اللهِ نَظْرَةً, ثُمَّ أَعُودَ إِلَيْكَ إِنْ شَاءَ اللهُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ، وَعَرَضَ لِي رَجُلٌ, فَقَالَ: أَتَبِيعُ الْحِمَارَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: بِكَمْ؟ قُلْتُ: بِثَلاَثِينَ دِينَارًا، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا هَذَا، وَاللهِ مَا هُوَ لِي، وَإِنَّمَا هُوَ لِرَفِيقٍ لِي، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَجِيءَ الآنَ، قَالَ: فَإِنِّي لَأُكَلِّمُهُ, إِذْ طَلَعَ الشَّيْخُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بِعْتُ الْحِمَارَ بِثَلاَثِينَ دِينَارًا، قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوِ اسْتَزَدْتَهُ لَزَادَكَ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَأَمَّا إِذْ بِعْتَ فَأَوْجِبِ الْبَيْعَ، فَأَخَذْتُ مِنَ الرَّجُلِ ثَلاَثِينَ دِينَارًا, وَدَفَعْتُ الْحِمَارَ, وَجِئْتُ بِالدَّنَانِيرِ، فَقُلْتُ: مَا أَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: هِيَ لَكَ، فَأَنْفِقْهَا، قُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي بِهَا، قَالَ: فَأَلْقِهَا فِي الْجِرَابِ، فَأَلْقَيْتُهَا فِي الْجِرَابِ، قَالَ: وَطَلَبْنَا مَنْزِلاً بِالأَبْطَحِ فَنَزَلْنَاهُ، فَقَالَ: ابْغِ لِي دَوَاةً وَقِرْطَاسًا، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاسٍ، فَكَتَبَ كِتَابَيْنِ, ثُمَّ شَدَّهُمَا، فَدَفَعَ أَحَدَهُمَا إِلَيَّ، فَقَالَ: انْطَلِقَ بِهِ إِلَى عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ, وَهُوَ نَازِلٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا, فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ، وَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلاَمَ، وَمَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ دَفَعَ الآخَرَ إِلَيَّ, فَقَالَ: لِيَكُنْ هَذَا مَعَكَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ, فَاقْرَأْهُ إِنْ شَاءَ اللهُ، قَالَ: فَأَخَذْتُ الْكِتَابَ, فَأَتَيْتُ بِهِ عَبَّادَ بْنَ عَبَّادٍ وَهُوَ قَاعِدٌ يُحَدِّثُ, وَعِنْدَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَسَلَّمْتُ عليه، ثُمَّ قُلْتُ: رَحِمَكَ اللهُ، كِتَابُ بَعْضِ إِخْوَانِكَ إِلَيْكَ، قَالَ: فَأَخَذَ الْكِتَابَ, فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ, يَا عَبَّادُ، فَإِنِّي أُحَذِّرُكَ الْفَقْرَ يَوْمَ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى الذُّخْرِ، فَإِنَّ فَقْرَ الآخِرَةِ لاَ يَسُدُّهُ غِنًى، وَإِنَّ مُصَابَ الآخِرَةِ لاَ تَجْبُرُهُ مُصِيبَةٌ أَبَدًا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِكَ، وَأَنَا مَيِّتٌ السَّاعَةَ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَاحْضُرْ لِتَلِيَنِي، وَتَوَلَّ الصَّلاَةَ عَلَيَّ، وَإِدْخَالِي حُفْرَتِي، وَأَسْتَوْدِعُكَ اللهَ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ، وَاقْرَأِ السَّلاَمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَيْكُمْ جَمِيعًا السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ، قَالَ: فَلَمَّا قَرَأَ عَبَّادٌ الْكِتَابَ, قَالَ: يَا هَذَا، أَيْنَ هَذَا الرَّجُلُ. قُلْتُ: بِالأَبْطَحِ, قَالَ: فَمَرِيضٌ هُوَ؟ قُلْتُ: تَرَكْتُهُ السَّاعَةَ صَحِيحًا،

الصفحة 640