كتاب الأولياء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل
111 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ يَحْيَى، قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ, قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الْبَصْرَةِ وَأَنَا أُرِيدُ عَسْقَلاَنَ، فَإِذَا أَنَا بِرَكْبٍ، فَقَالُوا لِي: أَيُّهَا الشَّيْخُ، أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ الرِّبَاطَ بِعَسْقَلاَنَ، قَالُوا: مَا مَعَكَ وَحْشَةٌ؟ قُلْتُ: لاَ, وَمَضَيْتُ مَعَهُمْ, حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ فِرَاقَهُمْ, قَالُوا لِي: نُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، وَلُزُومِ دَرَجَةِ الْوَرَعِ، فَإِنْ الورع يَبْلُغُ بِكَ إِلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّ الزُّهْدَ يَبْلُغُ بِكَ حُبَّ اللهِ، فَقُلْتُ لَهُمْ: فَمَا الْوَرَعُ؟ فَبَكَوْا، ثُمَّ قَالُوا: يَا هَذَا، الْوَرَعُ مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ, قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالُوا: تُحَاسِبُ نَفْسَكَ مَعَ كُلِّ طَرْفَةٍ، وَكُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ حَذِرًا كَيِّسًا, لَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهِ الْفَضْلُ، فَإِذَا دَخَلَ فِي دَرَجَةِ الْوَرَعِ احْتَمَلَ الْمَشَقَّةَ، وَتَجَرَّعَ الْغَيْظَ وَالْمَرَارَ, أَعْقَبَهُ اللهُ وَرَعًا وَصَبْرًا، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبْرَ مِنَ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، وَمِلاَكُ هَذَا الأَمْرِ الصَّبْرُ، وَأَمَّا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا, فَهُوَ أَلاَّ يُقِيمَ الرَّجُلُ عَلَى رَاحَةٍ تَسْتَرِيحُ إِلَيْهَا نَفْسُهُ، وَأَمَّا الْمُحِبُّ لِلَّهِ فَهُوَ فِي ضِيقِه، لاَ يَزْدَادُ لِلَّهِ عز وجل إِلاَّ حُبًّا، وَمِنْهُ إِلاّ دُنُوا.
112 - أبو بكر قال: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ كَثِيرَ الْبُكَاءِ, فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ, فَقَالَ: أَبْكَانِي تَذَكُّرني مَا جَنَيْتُ عَلَى نَفْسِي حِينَ لَمْ أَسْتَح مِمَّنْ شَاهَدَنِي وَمن يَمْلِكُ عُقُوبَتِي، فَأَخَّرَنِي إِلَى يَوْمِ الْعُقُوبَةِ الدَّائِمَةِ، وَأَجَّلَنِي إِلَى يَوْمِ الْحَسْرَةِ الْبَاقِيَةِ، وَاللهِ لَوْ خُيِّرْتُ أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تُحَاسَبَ, ثُمَّ يُؤْمَرُ بِكَ إِلَى الْجَنَّةِ, أَوْ يُقَالُ لَكَ كُنْ تُرَابًا، لاَخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ تُرَابًا.
الصفحة 644
655