كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 2)

وقد (¬1) أعل هذا الحديث بأن أبي بن كعب لم يدرك سنة خمس وعشرين من الوفاة النبوية فكأن حديثه انتهى عند قوله: "لا محالة" والباقي كلام بعض الرواة، وقد أورد (¬2) إعلال آخر، وأجاب عنه وأطال في ذلك.
5 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ, أَلَمْ تَسْمَعُوا قَولَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} " أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح]
حديث: " {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} ":
أقول: وجه المشقة ظاهرة إذ الظلم يعم كل معصية حتى الصغائر كما قال تعالى [301/ ب] لموسى - عليه السلام -: "إلا من ظلم نفسه ... " الآية. فإن المراد من ارتكب صغيرة؛ لأنه في صفات الأنبياء، وهم لا يأتون إلا صغار الذنوب ففسر - صلى الله عليه وسلم - المراد من الظلم هنا وهو أنه أريد به الفرد الكامل، وهو الشرك من باب العام المراد به الخاص، واتفق عليه من عدا الوعيدية كالزمخشري (¬5)، فإنه لم يفسره بذلك التفسير النبوي، وأبى من تفسير الظلم بالشرك
¬__________
(¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 292).
(¬2) أي ابن حجر في "الفتح" (8/ 292) حيث قال: وأعل أيضاً بأنه مخالف لحديث جابر وغيره، وأجيب: بأن طريق الجمع أن الإعاذة المذكورة في حديث جابر وغيره مقيدة بزمان مخصوص وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة، وأما بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم.
(¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (33) ومسلم رقم (124).
(¬4) في "السنن" رقم (3067).
(¬5) قال الزمخشري في "الكشاف" (2/ 369): أي: لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم، وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس. =

الصفحة 126